وجهه لوجاهه السفير، وأحل محل التوقير والتوفير. وتبلج له صبح التبجيل، وتأمل منه نجح التأميل. ثم حضر عنده، وقد أخلى مجلسه لي وله وحده. فأدى الأمانة في مشافهته، ووجه مقاصده في مواجهته.
وأحضر التذكرة، وقد جمعت المعرفة والنكرة. فقرأتها عليه بفصولها وفصوصها، وألزمته حكمي عمومها وخصوصها، ووفقته على ظواهرها ونصوصها. وكانت في الكتب غلظة عدت من الكاتب غلطة، وخيلت سقطة، وجلبت سخطه. وقال إن الإمام أجل أن يأمر بهذه الألفاظ الفظاظ، والأسجاع الغلاظ. فقد أمكن إيداع هذه المعاني في أرق منها لفظا وأرفق، وأوفى منها فضلا وأوفق. ومعاذ الله أن يحبط عملي، ويهبط أملي.
وامتعض وارتمض، ثم اعرض عما عرض. ورجع إلى الاستعطاف وانتجع بارق
الاستسعاف. وقال أما ما تمحله الأعداء وعدا به المتمحلون، وتنفق به المتقولون؛ وتسوق المبطلون؛ فما عرف مني إلا الاعتراف بالعارفة، وما هززت منذ اعتززت أعطاف العز إلا لما يعزني من العاطفة. وإن شرفي بالنعمة السالفة؛ يوجب أنفي من هذه الآنفة. وأما النعت الذي أنكر، ولبه على موضع الخطأ فيه وذكر، فهذا من عهد الإمام المستضيئ رضوان الله عليه وجرى لتحققه منى على الألسنة، ومتى عد سيئة ما عد من الحسنة. والآن كل ما يشرفني به أمير المؤمنين من السمة فإنه أسمى الذي هو أسمى وأشرف، وأطرأ وأطرف، وأرفع وأعرف.
وما زاده ذلك العتب إلا خلوص ولاء، وخصوص اعتزاز واعتزاء ثم قال كل ما اعتمده من نصرة الدين وقهر أعداء أمير المؤمنين فإنما طلبت به وجه الله ورضاه، ما تعبدت به سواه. فإني أفترض الطاعة الامامية للدين لا للدنيا، وما التقوى فيها إلا بالتقوى. وما في عزمي إلا استكمال الفتوح لأمير المؤمنين، وقطع دابر المنافقين والمشركين. وإذا عادت عواطفه عطفت علي في الحسن العوائد، وقطفت الفوائد، وصفت الموارد، روفت المقاصد، وبعد الأباعد، وبعد الحاسد الحاشد. وهجر هجر الساعي وأجرى أجر الداعي. وعلم جهل الواشي، وعذر ذعر الخاشي، وجرب غش الغاشي، وخرب عش العاشي. وذوت هموم ذوي الهمم، وأوليت كرامة أولى الكرم.
وما زال السلطان مدة مقام أخي عنده، يوري في إعظامه زنده ويأمر بإكرامه جنده. فكنت أشفق من تكدر ذات البين بعود الأنس والوصلة إلى الوحشة والبين. وأن جماعة من الأكابر اجتمعوا بالسلطان، وقالوا له قد نسب حقك إلى البطلان، ورميت بالبهتان، ولمحت طاعتك بعين العصيان. فكيف خفت وما عفت، والفت وما أنفت، ورغت وما غرت، وصبرت وما سبرت، وأغضيت لما أغضبت، وأعتبت لما عوتبت، وراقبت وما روقبت.
فقال تذللي للديوان العزيز تعزز به أدين، وتوسلي إلى مرضاته توصل بالله فيه استعين. فتواضعي ترفع، وتخشعي تورع. وحبل حبي
1 / 103