فوصل السير بالسرى، وقطع الوهاد والذرا. وجاء إلى دمشق بشارة رائقة وبشارة رائعة، وإشارة رادعة. وشعار مهيب، وشرع مصيب. وهيبة روعة امامية، وهيئة عصمة عصامية. وفرند نبوي لا ينبو، وزند ورى لا يكبو. ولسان في الصرامة جرى، وجنان بالشهامة حرى. وبلاغة بإبلاغ ما ليس بلاغ. وفئة وافية، وصيغة بصياغة كل غريبة قول ورغيبة طول كافلة كافية. وسنى نور وقار يستعير منه سنير، وثبات خلق يتخلق به ثبير.
وكان قد عاد المندوب نادبا عاديا، جاحدا للنعمة شاكيا. ذاكرا أنه عدم الحفاظ، ووجد الاحفاظ. وأكثر الكلام فما حرك شمام. وقال أخو العماد قد وصل بكل عتب ممض، وخطب مقد وغضب مغض. ولفظ فظ. وحض على غير حظ. ومعه الملامات المؤلمات، والظلامات المظلمات فقلت له اسكت واصمت، وبمالك من وسم الوصم مت، ولا تدخل هذا الباب وأخرج، وليس هذا بعشك فادرج.
وقلت للسلطان سمعا وطاعة لأمر الديوان، فإن إظهار سر العتب لك من غاية الإحسان. فقال نعم ما قلت، وقد طلت بإرسال أخيك وطلت، وما أسعدني إذا شرفت بالعتاب، وأسعفت بالخطاب، والمملوك ينفعه التأديب، ويزعه التهذيب. على أننا لم نأت إلا بكل ما قوى الهدى واضعف العدا، وكف الكفر وأدنى الدين، وما زلنا في طاعة أمير المؤمنين مجدين.
أما فتحنا مصر وقد باضت بها دعوة الدعي وفرخت، أما استأنفنا بها تاريخ الدولة العباسية بعد أن كانت سنين بسواها أرخت. أما استخلصت اليمن وللدعي بها داع، وللهدى فيها ناع، وللضلال راع. أما أرحت من رق الشرك الساحل، أما
أزحت عن حق الملك الباطل. أما فتحت البيت المقدس وألحقته بالبيت الحرام، وألحفته رداء الإكرام، وأعدت إلى الوطن منه غريب الإسلام. أما رعت الغرب بغرب عزمي، ووزعت الشرق بشرع حكمي. وما تعبدت إلا بالعبودية للدار العزيزة، وهذه الفطرة متمكنة مني في الغريزة. فأهلا وسهلا بالرسول وبالسول، وحبا ومرحبا بالإقبال والقبول. وما أتى إلا بالحبو الحبور، ولإمراء الأمور، ولإظهار سر السرور. والبارق يشام إذا رعد، والصادق يرام إذا وعد. وما أسرنا بالواصل وأوصلنا بالمسرة. وأبرنا بالجد وأجدنا بالمبرة. وسمعت منه كل ما هدى سمعي، وأبدى لمعي، وجمع شملي وشمل بالعز جمعي.
ولما قرب أخي، أصبحت لقدومه انتخى. فأمر السلطان الأمراء على مراتبهم باستقباله، وتقدم لجلاله قدومه بإجلاله. ثم ركب وتلقاه بنفسه، وخصه من تقريبه بأنسه. ولم يزل حتى أراه مواضع الحصار، ومصارع الكفار. ومواطئ أقدام ذوي الاقدام، ومواطن بسالة أهل الإسلام. ثم نزل وأنزله بالقرب، وعقد له بالحباء حبا الحب. وسفر
1 / 102