ثم أخرج المال وصبه من أكياسه، وفرقه على ناسه، وأنفقه في أهل باسه، وواصل البذل، وهجر العذل. وملأ الأيدي بالغنى، وروج للرجاء نججح المنى. وأمر فامتثل، وقال فقبل. ونادى فسمع، وحشر فجمع. وعادت عادة الحصار، وأسعدت سعادة الأنصار.
ذكر فتح حصن هونين
وورد الخبر عن هونين إنها هانت، ودنا أمرها ودانت، وأن طريق فتحها بانت، وأنها عنت فإن ألطاف الله أعانت، وأنها بذلت ما صانت، ولم تبق للكفر على ما كانت، وأن شدتها لانت. وكان السلطان قد وكل بها بعض أمرائه، وأمده بمددي جنده وعطائه. فلبث إلى هذه الغاية، يصميها بسهام النكاية. حتى طلب أهلها الأمان على الوفاء بما يشترطون، ويشطون منها ولا يشتطون، فأول ما قالوا
أمهلونا حتى نعلم ما يكون من صور، ونكشف هذه الأمور، فإن أخذتموها أخذتم هذه، وشفعنا أمر السلطان بنفاذه. وأن خليتموها فيا هوان هنين!. ونحن نجعل على هذا عدة من الأصحاب مرهونين.
فندب السلطان (بدر الدين دلدرم الياروقي) وهو من أكابر عظمائه، وأكارم أمرائه؛ وأمره باستنزالهم واستذلالهم، والأمان لنسائم ورجالهم. فمضى ورغبهم في الأمن والسلامة، وخوفهم عقبى الحسرة والندامة. وقال لهم أنتم بين حصنين هما تبنين وبانياس، وماذا تصنعون إذا خاب رجاؤكم وبان الياس. وإذا أبيتم التسليم عدمتم سلامتكم، وأقمتم قيامتكم، واستباحكم السلطان واستباكم، وكرهكم وأباكم، وحل بالقتل حباكم، وفل شباكم.
فما زال يغرب ويرهب حتى رغبوا ورهبوا، وأخذوا الأمان على أن يذهبوا. ووصل الخبر إلى السلطان وهو على محاصرة صور مقيم، ولمقاتلة أهلها مستديم، وإلى ما عند الله من نصره مستنيم. وتسلمت هنين بما فيها من عدة وذخيرة، وقوة وميرة، وآلات وأدوات كثيرة. وتسلمها (بيرم) أخو صاحب بانياس، واستشعر الفرنج منها الياس. وكانت قد بقيت من الحصون التي تعذر فتحها؛ وبرح بالقلوب برحها؛ من عمل صيداء: قلعة أبي الحسن وشقيف ارنون، ومن عمل طبرية والغور: صفد وكوكب وهما من أحكم الحصون. وقد وكل بهما أميرين، من خواصه كبيرين. وقد ضيقا على من بهما من العلوج، ومنعا من الدخول والخروج.
وأقام السلطان على صور محاصرا، وللدين الحنيف ناصرا، وليد الشرك بمطاولته قاصرا. يقاتلها بكل سلاح؛ ويقابلها بكل كفاح؛ حتى كادت تستكين؛ وشدتها
1 / 94