اسمه بقتله، فضرب عنقه بحد نصله. وكان للمركيس شبيها، وفي الفرنج وجيها. فظنوا أنه هو للشبه، وبات أهل الكفر بالعمى والعمة. ثم عرف أن المركيس في نفسه لم ينكأ ولم ينكب، ولما عطب أشياعه لم يعطب، وندم على ما قدم، ومن تقدم على غرة تندم.
ذكر ما دبروه من الرأي ورأوه من التدبير
ولما امتنع البلد؛ وارتدع الجلد؛ وارتتج العدو ولج؛ ضجر العسكر وضج. واجتمع أمراء يحبون الإفلات، ولا يكرهون الفوات.
وقالوا مطاولة ما نقصر عنه تتعب، ومزاولة ما لا يزول تصعب. ومحاولة الممتنع محال، ومطال غريم هذا الفتح مطال، وما يتسع لنا في هذه الحلبة الضيقة مجال. وهذا السلطان جلد على المصابرة، مجد في المكابرة لا يكترث بالكارث، ولا يدخل سمعه حديث الحادث. ولا يبالي بمن بلى، ولا يفكر فيمن ولى أو ولى. ولا راحة له إلا في التعب، ولا يعلم له نصيب سلامة إلا من النصب. وكل كا جرى إلى اليوم منا ومن القوم لم يرعه ولم يردعه، وقد قيل: إذا لم تستطع شيئا فدعه. فكيف السبيل إلى استعطافه؟، وما التدبير في استسعافه؟. وبم نتوسل ونتوصل؟ وإذا عرفناه أن الداء يعضل، والخطب يشكل، لعله يجتوي الإقامة ويرحل.
فاطلع على ما أسروه، ومر به ما أمروه. وأهمه ما به هموا، وآلمه ما به ألموا. فراسلهم بالهبات، ووواصلهم بالصلات. ورغبهم فيما عند الله من الزلفى، ووعدهم بكل ما على أملهم أوفى.
وقال لهم: كيف نخلي هذا المكان، وما استفرغنا في شغله الإمكان. وما استنفدنا في مضايقته الوسع، ولا أحسنا بعد في محاضرته الصنع، ولا زحف إليه الجمع، ولا حفز منه المنع. ولا أصابنا من مكر أهله مكروه ولا ورد الصبر منه بشفاه
شفاهه مشفوه. وكيف تجري بنا الخيل عنه قبل التجريب، وهذا الأرب ما يخطر بخاطر الأريب. وما عذرنا إلى الله والى المسلمين إذا تركناه، وكيف نقول فاتنا هذا القنص وما أدركناه. (والفرصة إذا فاتت لا تدرك، والبغية إذا واتت فحقها تملك). ونواظر الناس إلى ما سيكون منا في صور صور، وهذه الظلمة المدلهمة لا يجلوها إلا نور (ومن لا يتعب لا يستريح، ومن لا يحترق من الوجد لا يقترح). وأن تجدوا تجدوا، وإن تردوا على المنهل العدى تردوا. وأن تصبروا تصيبوا، فارجعوا إلى الله وأنيبوا. وهذا الرجل متواصل، والغرض به حاصل. ونحن نقسمه على المجانيق ونوبها، ونلزم كلا منهم ملازمة البقعة التي هو بها، وهذا البرج قد ارتفع، والوسع قد اتسع. وقد امتلأت بالرجال طبقاته، وتوالت منها في الكفر رشقاته، والنصر قد آن أن تطيب نشقاته، والمركيس أبعده الله قد قرب أن تخونه ثقاته. ورأينا طول الأرواح، لا التطاول إلى الرواح. وفي التثبت على المقام، التوثب على المرام.
1 / 93