فصل في تاريخ الثورة العرابية
فصل في تاريخ الثورة العرابية
ژانرها
وكان أهم ما في اللائحة تقرير مبدأ مسئولية الوزارة أمام المجلس، وتأليف وزارة وطنية تقوم مقام الوزارة الأوروبية التي ضاقت بها البلاد.
ورأى الخديو الفرصة سانحة ليوجه ضربة قوية إلى النفوذ الأجنبي فوافق على اللائحة، وسرعان ما هزت البلاد فعلته هزة قوية، هي هزة الفرح بانتصار الحركة الوطنية، والأمل في حل المشكلة المالية، واستقالت وزارة توفيق وأسندت الوزارة الوطنية إلى شريف.
وبالغ الخديو في الكيد للأجانب حتى لقد حضر بنفسه حفلا أقامه في داره السيد علي البكري ابتهاجا بالعهد الجديد. وحرص شريف على أن يجعل مرد الأمور إلى الأمة، ولئن كان يمقت تدخل الأجانب فإنه كان كذلك يمقت استبداد الخديو أشد المقت؛ لذلك جعل محور سياسته أن يكون الوزراء مسئولين أمام مجلس شورى النواب، وتم له ما أراد فجاء في كتاب الخديو إليه بتأليف الوزارة عبارات لا تقبل تأويلا فيها، يذكر الخديو أنه يرجع بالأمور إلى الأمة، ويوافق على مسئولية الوزارة أمام مجلسها. وبذلك تخلصت البلاد من الحكم المطلق وتهيأت لأن تحكم حكما دستوريا.
الثورة
عزل إسماعيل وتعيين توفيق
لم تكد البلاد تنتهي من فرحها حتى فوجئت بعزل إسماعيل، إذ ما زالت إنجلترة وفرنسا حتى استطاعتا إكراهه على خلعه، وأمر الخديو بمغادرة البلاد في موعد حدد له فغادرها على الباخرة المحروسة إلى إيطاليا.
وخلفه على العرش توفيق أكبر أنجاله وكان في السابعة والعشرين من عمره، ولم يكن توفيق بالرجل الذي يصلح للحكم في ظروف البلاد يومئذ، فقد كان ضعيف الإرادة محدود الأفق، قليل الذكاء والتجربة ؛ ولذلك سرعان ما أصبح ألعوبة في أيدي الأجانب. وكان وجود مثله على عرش مصر في ذلك الوقت مما يضاف إلى أسباب شقائها وسوء طالعها.
وما أشبه توفيقا في ذلك الموقف بملك فرنسا لويس السادس عشر، ذلك الذي قال عنه بعض المؤرخين: إنه ورث عن أسلافه العرش والثورة معا، فلقد تجمعت عوامل الثورة الفرنسية قبل عهده ثم انبعثت أيام حكمه. ولقد ورث توفيق عن أبيه المعزول العرش والثورة كذلك، فها هي ذي عواملها تجتمع من قبل أن يلي عرش البلاد.
تظاهر توفيق أول الأمر بأنه يوافق الوطنيين في آمالهم، ثم ما لبث أن تنكر للحركة الوطنية، وذلك أن شريفا كان قد وضع نصب عينيه ألا يعود الحكم المطلق فقدم للخديو مشروعا لدستور يجعل الوزارة مسئولة أمام مجلس تختاره الأمة، ولكن الخديو رفض هذا المشروع؛ لأن البلاد في رأيه لم تتهيأ بعد لمثل ذلك الدستور. ولم يجد شريف بدا من الاستقالة فاستقال في 18 أغسطس سنة 1879، فبادر الخديو بقبول استقالته، وأسند الوزارة إلى رياض، وكانت استقالة شريف في ذلك الوقت عاملا من أهم عوامل إذكاء الروح الوطنية وإشعال جذوتها.
فقد غضب الوطنيون أشد الغضب إذ رأوا آمالهم تذهب مع الريح، وكانوا يحسون أن رجعية توفيق إنما جاءت بوحي من الأجانب، وأن الأجانب هم الذين يسيطرون فعلا على البلاد. وكانت المراقبة المالية الثنائية قد عادت في أول عهد توفيق، واشترط ألا يجوز فصل المراقبين بدون رأي حكومتيهما، وبذلك أصبحت المراقبة إدارة تابعة في الواقع للدولتين المتدخلتين في شؤون البلاد.
صفحه نامشخص