فصل في تاريخ الثورة العرابية
فصل في تاريخ الثورة العرابية
ژانرها
وكره الوطنيون من رياض شدته وموافقته الخديو على أن البلاد لم تتهيأ للحكم الدستوري، فكثرت الاجتماعات بين الوطنيين وصار مقرها في حلوان بعيدا عن جواسيس رياض، كما ازدادت الجماعات السرية في صفوف الجيش.
ثورة الضباط على وزير الحربية
استغنى عن عدد كبير من الضباط الوطنيين في أوائل عهد توفيق، وكان وزير الحربية في وزارة رياض شركسي الجنسي هو عثمان رفقي، وكان هذا يكره المصريين كما يكرههم بنو جنسه؛ ولذلك كان يجعل أكثر الترقيات والألقاب في الجيش للشراكسة، وأخذ هذا الشركسي يعد مشروعا يمنع به ترقية الجند من السلاح لكي يبقى الشراكسة في الجيش العنصر الذي يسود.
وكان يسخر الجند في أعمال لا تمت بصلة إلى الجندية كحفر الترع، ومد السكك الحديدية والزراعة في أرض الخديو وغير ذلك، ولقد عارض عرابي معارضة شديدة في أن يعمل جنوده في حفر الرياح التوفيقي، ولم يبال بغضب الحكومة من معارضته ولم يغب عن أذهان الجند والضباط، كيف استرخصت أرواح الجيش في حرب إسماعيل في الحبشة، وكيف امتهنت كرامة الجيش هناك.
لذلك أخذت تتوالى الاجتماعات سرا بين الضباط، وأخذوا يتصلون بالجنود ليضموهم إلى ما يبيتون.
واشتد التذمر حين نما إلى الضباط أن عثمان رفقي أخذ يفكر في عزل كبار الضباط أو إبعادهم عن مراكزهم، ومن ذلك ما انتواه من عزل أحمد عبد الغفار قائمقام السواري وتعيين شركسي مكانه، ونقل عبد العال حلمي أميرلاي السادس السوداني إلى عمل بديوان الوزارة، ووضع شركسي كذلك مكانه.
واجتمع عدد كبير من الضباط بمنزل أحمد عرابي وأرسلوا يدعونه إذ كان غائبا ومنهم علي فهمي الديب قائد الحرس الخديوي، وعبد العال حلمي، وأحمد عبد الغفار وعلي الروبي، ومحمد عبيد، ولما حضر عرابي اختاروه لينوب عنهم في رفع شكوى إلى رئيس الوزراء من تعصب عثمان رفقي. قال عرابي في مذكراته الخطية: «قالوا كلهم: إنا فوضنا إليك هذا الأمر فليس فينا من هو أحق به وأقدر عليه منك، فقلت: كلا، بل انظروا إلى غيري وأنا أسمع له وأطيع وأنصح له جهدي، فقالوا: إنا لا نبغي غيرك ولا نثق إلا بك فأبنت لهم أن الأمر عصيب ولا يسع الحكومة إلا قتل من يتصدى له، فقالوا: نحن نفديك ونفدي الوطن العزيز بأرواحنا، فقلت لهم: أقسموا على ذلك فأقسموا».
وقد اختير عرابي لما عرف عنه من الجرأة والإخلاص والصدق؛ ولأنه كان أشد المصريين في الجيش سخطا على الشراكسة، وذلك اعتزازا منه بمصريته وقوميته، فلقد ظفر بالترقية إلى مرتبة أميرالاي في أوائل عهد توفيق، وكان ذلك كافيا لأن تزيل ما عسى أن يكون قد بقي في نفسه مما لحقه من أذى في عهد إسماعيل.
وذهب عرابي وبصحبته زميلاه عبد العال حلمي وعلي فهمي، فقابلوا رياضا ورفعوا إليه باسم الضباط عريضة موقعا عليها منهم يطلبون فيها عزل عثمان رفقي من وزارة الحربية، وإسناد هذا المنصب إلى وزير وطني.
ودهش رياض أشد الدهشة من هذه الجرأة وعدها تمردا واستشاط غضبا. وكانت لهجة العريضة شديدة، وكان رد عرابي عنيفا على رياض حين كان يتكلم باسم زميليه. ثم تجهم وجه رياض وقال للضباط في غلظة وكبرياء: «إن أمر هذه العريضة مهلك وهو أشد خطرا من عريضة أحمد فني الذي أرسل إلى السودان». وكان هذا قد نفي إلى السودان حيث قضى نحبه؛ لأنه احتج على المحسوبية وطلب مساواته بغيره.
صفحه نامشخص