تأليف
محمد حسين هيكل
بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين .
تقديم
ليس في التاريخ الإسلامي، بعد رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، رجل تردد الألسن اسمه ما تردد اسم عمر بن الخطاب، وهي تردده وتقرن به، في إعجاب وإكبار، ما عرف عن عمر من جليل الصفات وعظيم المواهب، فإذا ذكر الناس الزهد في الدنيا مع القدرة على النهل من أنعمها ذكروا زهد عمر، وإذا ذكروا العدل المطلق غير مشوب بشائبة ذكروا عدل عمر، وإذا ذكروا النزاهة لا يفرق صاحبها بين أقرب الناس إليه وأبعدهم عنه ذكروا نزاهة عمر، وإذا ذكروا العلم والفقه في الدين ذكروا فقه عمر ودينه، وأنت تتلو من أنباء ذلك في الكتب ما تحسب الكثير منه مبالغة لا يكاد العقل يصدقها؛ فهي أدنى إلى المعجزات التي تنسب إلى الأنبياء منها إلى ما عرف عن أكبر العظماء سموا وجلال قدر.
ويرجع ذلك إلى قيام الإمبراطورية الإسلامية في عهده، فقد خلف عمر أبا بكر على إمارة المؤمنين حين فرغ أبو بكر من حروب الردة، وحين كانت جنود المسلمين تواجه الفرس والروم على تخوم العراق والشام، فلما قبض عمر كانت الإمبراطورية الإسلامية قد اشتملت العراق والشام جميعا، وقد تخطتهما فاشتملت فارس ومصر، بذلك بلغت حدودها الصين من الشرق، وإفريقية من الغرب، وبحر قزوين من الشمال، والسودان من الجنوب، وقيام هذه الإمبراطورية العظيمة في عشر سنوات معجزة لا ريب، والمعجزة أعظم قدرا بعد أن تحطمت فارس والروم الإمبراطوريتان صاحبتا السلطان على عالم يومئذ، وتحطمتا بأيدي العرب الذين كانوا إلى سنوات قبلها قبائل متنافرة لا تهدأ منازعاتها ولا تطمئن فيما بينها إلى قرار.
أما وقد تمت هذه المعجزة في عهد عمر وبتوجيهه فهو، لا جرم، رجل عظيم، وقد بدت بوادر هذه العظمة في عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم
وفي عهد أبي بكر، ثم ضاعف نصر المسلمين من بعدهما قدرها، كما زادها مر العصور وأضاف إليها، فقد تبين الناس على تعاقب الأجيال أن هذه الإمبراطورية لم تكن وليدة عبقرية حربية تبقى الإمبراطورية ما بقيت وتزول بزوالها، بل كانت قائمة على أساس قوي من خلق متين وحضارة سليمة الأساس، فإذا صح أن يشيد الناس بعظمة يوليوس قيصر والإسكندر الأكبر وجنكيزخان ونابليون؛ لأنهم أقاموا من الإمبراطوريات ما أقاموا، فأحر بهم أن يكونوا أكثر إشادة بعظمة عمر بن الخطاب وأكبر قدرا لآثارها.
صفحه نامشخص