ويروى أن عبد الله بن زيد سبقه إلى رسول الله فقال له: يا رسول الله، إنه طاف بي هذه الليلة طائف؛ مر بي رجل عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوسا في يده، فقلت له: يا عبد الله أتبيع هذا الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قلت: ندعو به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلك على خير من ذلك؟ وألقى إليه صيغة الأذان، فأمر رسول الله بلالا فأذن بها، فسمعها عمر وهو في بيته، فخرج إلى رسول الله يجر رداءه ويقول: يا نبي الله! والذي بعثك بالحق، لقد رأيت مثل الذي رأى!
من يومئذ بدأ الأذان للصلاة يعطر جو المدينة كل يوم خمس مرات فكان الحجة القائمة على أن كلمة المسلمين أصبحت العليا، والأذان للصلاة دعوة للنظام الذي يزيد الآخذين به أيدا وقوة، أما وقد حدث به عمر قبل أن ينزل به الوحي، فذلك الدليل على أن دين الحق قد أخذ على هذا الرجل القوي مسالك نفسه، فصار لا يفكر في شيء تفكيره في النظام الذي يزيد هذا الدين عزا وانتشارا.
على أن اليهود والمشركين الذين أقاموا على دينهم برموا بسلطان المسلمين وقوتهم، فبدءوا يأتمرون بهم ويعملون على مناوأتهم، وقد كان للمسلمين في مقاومة مؤامراتهم أساليب لا تخلو من شدة وعنف؟ وكان عمر بن الخطاب يشارك في هذه المقاومة كغيره من المسلمين.
وأراد رسول الله أن يرهب اليهود والمنافقين، وأن يقنع قريشا بأن الخير لها أن تصالحه على حرية الدعوة لدين الله، فبعث السرايا، وأمر عليها حمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن جحش، كما خرج بنفسه على رأس بعضها، ولم تذكر كتب السيرة ولا كتب التاريخ شيئا عن اشتراك عمر في هذه السرايا الأولى، ولعل رسول الله قد آثر أن يبقى عمر بالمدينة لما كان من حسن سياسته مع صراحته في الحق، يشهد بذلك ما حدث حين قدم وفد من نصارى نجران إلى المدينة يجادلون رسول الله، فرد جدالهم وجدال اليهود بقوله تعالى:
قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون
ثم دعا الوفد إلى قبول ما نزل عليه من ذلك أو يلاعنهم، ورأى هؤلاء النصارى أن يعودوا إلى قومهم ولا يلاعنوه، ثم رأوا شدة حرصه على العدل، فرغبوا إليه في أن يبعث معهم رجلا يحكم بينهم في أمور اختلفوا عليها، فقال لهم رسول الله: ائتوني العشية أبعث معكم القوي الأمين، روى ابن هشام أن عمر بن الخطاب كان يقول: ما أحببت الإمارة قط حبي إياها يومئذ رجاء أن أكون صاحبها، فرحت إلى الظهر مهجرا، فلما صلى بنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم
الظهر سلم، ثم نظر عن يمينه وعن يساره، فجعلت أتطاول له ليراني، فلم يزل يلتمس ببصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجراح فدعاه فقال: اخرج معهم فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه فذهب بها أبو عبيدة.
وإنما طمع عمر في أن يوليه رسول الله الحكم لما كان يتولاه هو وآباؤه في الجاهلية من السفارة والحكم في المنافرات بين القبائل، فاختيار النبي أبا عبيدة مع ما كان لعمر في نفسه من مكانة، يشهد بأن رسول الله حرص على بقاء ابن الخطاب بالمدينة كيما يستعين بصراحته وجرأته وحسن رأيه هذا، على أنه قد يكون خشي شدة عمر وغلظته، فاختار أبا عبيدة؛ لأنه جمع بين الأمانة ولين الجانب ورضا النفس.
لم تقنع قريش بما أراد رسول الله من موادعتها على حرية الدعوة لدين الله، بل ظلت على عداوتها له ولأصحابه، فلما خرج يلقاها ببدر في ثلاثمائة من المسلمين، وعرف أن الذين جاءوا من مكة يزيدون على الألف، استشار أصحابه: أيقاتلهم أم يعود أدراجه إلى المدينة، وكان عمر كما كان أبو بكر ممن أشاروا بالقتال، فلما بدأت المعركة ثم حمي الوطيس، كان مهجع مولى عمر بن الخطاب أول قتيل من المسلمين، وفي أثناء المعركة قتل عمر خاله العاص بن هشام، يروى أن عمر التقى يومئذ هو وسعيد بن العاص فقال له: «إني أراك كأن في نفسك شيئا، أراك تظن أني قتلت أباك، إني لو قتلته لم أعتذر إليك من قتله، ولكني قتلت خالي العاص بن هشام بن المغيرة، فأما أبوك فإني مررت به وهو يبحث بحث الثور بروقه
صفحه نامشخص