وأخيرا لا تكلف القوانين الوضعية الإنسان إلا بالضروريات لصالحه وصالح المجتمع الذي يعيش فيه. أما الأخلاقية فتكلف بذلك وبالكماليات التي تزيد في سعادة الإنسانية ورفاهيتها، وتصل بين المرء والمثل الأعلى للحياة الأخلاقية الكاملة، مثلا يطالبنا القانون الوضعي بالمحافظة على أموال الناس، أما أموالنا الخاصة فأباح لنا حرية التصرف فيها بما نريد، ولكن قانون الأخلاق يأمرنا فوق المحافظة على أموال الغير بالتصرف في أموالنا بما فيه خيرنا وخير الأمة جميعا؛ ولهذا تندب الناس للتبرع للمستشفيات وجمعيات الخير، وتعد من الإثم القعود عن العمل للخير العام مع القدرة عليه. (ب) الحاجة للبحث الأخلاقي مع وجود القانون الإلهي
قد يقال: إذا كان القانون الإلهي بريئا من عيوب القوانين الوضعية، وكان هو أصل الأخلاق ومنبعها، فما الحاجة إذن للبحث في الأخلاق؟ ولماذا العناء في هذه الدراسات الطويلة المضنية؟
وجوابنا عن ذلك أن الدين وإن بين لنا الفضائل والرذائل والخير والشر، ورسم لنا ما نعمل وما لا نعمل، إلا أنه كما قلنا سابقا لم يفصل لنا علة ما جعله خيرا أو شرا من الأعمال، ولم يقفنا على المستوى الذي نحكم بحسبه على بعض الأعمال بأنها خير، وبعضها بأنها شر، وترك ذلك لعلم الأخلاق الذي يكسب دارسه الدقة في التقدير ووزن الأعمال ويوجه إرادته نحو الصالح منها.
وثم سبب آخر، وهو أن القانون السماوي، إذا فهمنا علل أحكامه وسبب مشروعيتها، وهذا ما قام به الفقهاء؛ لم يصل للصميم من أفئدة الناس جميعا، فلو اكتفى الأخلاقيون به لضل كثير طريق الفضيلة التي يرشد إليها الناس. القانون الأخلاقي يهدي إلى الخير، وتسترشد به الأمم التي انقطعت عن الشرائع السماوية حينا، كما تصل به الأمم التي وصل إليها الوحي في بعض الأحيان إلى تفهم الحقائق التي جاءتها عن الرسل والأنبياء، عليهم أفضل الصلاة والسلام.
المراجع
(1) المراجع العربية (1)
إحياء علوم الدين للإمام الغزالى. (2)
كتاب الأخلاق لأرسطو، ترجمة لطفي السيد باشا. (3)
تهذيب الأخلاق لمسكويه. (4)
الوراثة والبيئة وأثرهما في التربية، للمؤلف. (5)
صفحه نامشخص