وهذه الوسيلة وإن صلحت وقومت من نفس من يأتي الرذيلة غير عالم، لا يمكن أن تكون الوسيلة الناجعة؛ لأن في كثرة الكلام عن الرذيلة أمام الأطفال تنبيها لهم إلى ما كانوا عنه غافلين في كثير من الأحوال، ودفعا لهم لتجربة هذا الذي ينهون عنه دائما، «وأحب شيء إلى الإنسان ما منعا»، كما أن كثرة الحث على الفضيلة حرية بأن تجعل من كثير من الأطفال مرائين يتظاهرون بالتأثر بالنصح والعمل بمقتضاه، هذا إلى ما في تكرار الإرشاد من تضييع أثره لأن كل مكرر مملول. (4-2) القدوة والتقليد
المربي هو المثل الأعلى للطفل، قصاراه أن يترسم عاداته ويتخلق بأخلاقه؛ ولذلك تنطبع أخلاق الطفل غالبا على غرار أخلاق والده ومربيه، إن خيرا فخير وإن شرا فشر؛ لأن الأخلاق تسرق من الأخلاق كما يقولون.
من هذا يكون من طرق تكوين الأخلاق الطيبة العناية بأن يكون الوالد والمربي قدوة حسنة طيبة، في نفسه وعاداته وأخلاقه وسائر أعماله، للطفل الذي يقوم على تربيته، وخاصة أدواره الأولى؛ لأن المؤثرات المختلفة التي تساعد على تكوين أخلاق الطفل في فجر حياته تلازمه مدى الحياة، وذلك مصداق ما يقال: إنما يدل على الرجل الطفل، كما يدل على النهار الصبح.
وفي أثر القدوة الصالحة في تكوين الأخلاق الطيبة يقول أحد الكتاب الأوروبيين: «من رمى إلى النبوغ في التصوير لجأ إلى أبدع الصور فأخذ عنها، كذلك من رام حياة سعيدة فليختر خير من يقتدي بهم، وليكد حتى يكون قد ساواهم أو شآهم»،
45
كما يقول آخر من هؤلاء الكتاب محدثا عن أثر القدوة في تربيته أيضا: «أرى كثرة ما يقال في التربية وكأني بالباحثين فيها وقد أغفلوا القدوة وهي كل شيء، ألا إن أجل ما لقيت من التربية في الاقتداء بإخوتي، وقد كان الاعتماد على النفس والاستقلال الحق سائدين في كل فرد من أفراد أهل بيتي، فما زلت أحذو حذوهم حتى اكتسبت هذه الخصال.»
46
وحقيقة ، كما يقول صمويل سميلز في كتابه «الأخلاق»، إنه:
تقضي سنة الله في خلقه أن تكون العوامل في تكوين الخلق أشد تأثيرا في دور النمو، حتى إذا طال عليها الأمد وتوالت السنون انقلب الاقتداء بالناس عادة ترسخ شيئا فشيئا حتى تصير طبيعة تتمكن من المرء وتستولي عليه بقوتها، فينزل على حكمها ويخضع لسلطانها غير شاعر.
47
صفحه نامشخص