رکائز در فلسفه سیاست
ركائز في فلسفة السياسة
ژانرها
ويبدو التناقض أوضح في أن العامل يبيع عمله كسلعة بثمن بخس، ولما كان عمله يستغرق عمره، فهو محروم من كل وسائل الترفيه والتثقيف، ويصبح العامل نفسه سلعة شقية، ويتناسب شقاؤه تناسبا طرديا مع حجم وقوة إنتاجه؛ كلما زاد الإنتاج، كلما انخفضت قيمة العامل، مما يوضح اغتراب العامل عن عمله الذي يسبب له الشقاء، بينما يسبب للبرجوازية المستغلة رفاهية ونعيما.
وبطبيعة الحال الجدلي، لن يستمر هذا الوضع إلى الأبد ولا حتى طويلا؛ فالبرجوازية شأن أية مرحلة تطور اقتصادي أخرى، تحمل في ذاتها عوامل فنائها، إلا أن البرجوازية تتميز بأنها أكثر بساطة؛ فالمجتمع يسير أكثر فأكثر في طريق الانقسام إلى طبقتين كبيرتين متعارضتين تماما، هما البرجوازية والبروليتاريا؛ فسوف تبتلع البروليتاريا الحرفيين والصناع والتجار - لأنهم لن يستطيعوا الصمود أمام الصناعات التكنولوجية الضخمة - وأيضا الفلاحين، وسوف تنكمش البرجوازية، فتتركز الثروة في أيد قليلة؛ مما سيزيد من حدة الصراع الطبقي وقوته ويعجل بانهيار النظام البرجوازي. سوف يشتد ساعد البروليتاريا ويقوى، فتقهر البرجوازية وتصل إلى مواقع السلطة، وتكون حكومة ديكتاتورية تحافظ على مكاسب البروليتاريا، وتصفي بقايا النظام والعادات البرجوازية، تؤمم كل وسائل الإنتاج، فيختفي الاستغلال والقهر، وتضمحل الدولة نفسها، أو تنتهي بوصفها دولة، لأن الدولة هي أداة الرجعية للحفاظ على النظام البرجوازي القائم. وشيئا فشيئا تنضم الدول الواحدة بعد الأخرى إلى هذا المجتمع - وعلى الأغلب سيكون المجتمع الإنجليزي أو الألماني - الذي سيشمل العالم أجمع في نهاية الأمر، لأنه ذروة التقدم وغايته: المجتمع الشيوعي اللاطبقي، الذي يحكمه مبدأ: من كل حسب قدرته ولكل حسب حاجته. بدلا من المبدأ البرجوازي: من كل حسب قدرته ولكل حسب إنتاجه؛ فيتساوى الجميع مهما كانت أعمالهم.
لكن البرجوازية سوف تستخدم كل الأساليب في محاولة عرقلة مسار التاريخ وتعويض تقدمه المحتوم نحو الشيوعية؛ لذلك من الضروري أن يتحد العمال للقيام بثورة دموية عنيفة، تقهر البرجوازية وتحقق الشيوعية بقوة السلاح، فقط لكي تخفف آلام الوضع وتقصرها، وتختصر المراحل التاريخية المطلوبة للوصول إلى المرحلة الشيوعية، وإن كانت هذه المرحلة على أية حال هي النهاية الحتمية لمراحل التطور الاقتصادي.
فتنت هذه النظرية في عصرها ألباب الكثيرين؛ فقد بدت حلما طوباويا خلابا يؤكد مجيء اليوتوبيا الموعودة للكادحين المطحونين، بعد طول قهر وحرمان. فهل هذا عن حق؟ هل كانت النظرية صادقة؟ لماذا إذن كل الانهيار المدوي لبعض أو لمعظم تطبيقاتها المخلصة؟
نقد النظرية الماركسية
أولا: نقد الماركسية من حيث هي نظرية علمية
في نقد وتقويم النظرية الماركسية نجد أن أول ما يلفت النظر فيها دونا عن سواها من نظريات اشتراكية، هو الزعم بأنها نظرية علمية.
فقد جاء ماركس في عصره الذي بلغ حد الثمل والدوار في الانتشاء بالعلم، وطرح نظريته بوصفها نظرية علمية، وسوف نرى أنها ليست علمية ولا يمكن أن تكون هكذا، أو أنها على أوسع الفروض تحاول أن تتمسح بالعلم وأن يكون لها الشكل العلمي، ولكنها في حقيقة الأمر ليست من العلم في شيء.
فأولا: منهج ماركس مضطرب غامض مبهم، حتمي وتنبؤي وقطعي وجدلي في الوقت نفسه. لقد صارح بأنه يعتمد على الجدل؛ والمنهج الجدلي والمنهج العلمي متضادان لا يمكن أن يلتقيا؛ فالجدل يحذف قانون عدم التناقض وينتقل من الفكرة إلى نقيضها إلى مركب يجمع بينهما أي يقر بهما معا، والعلم لا يسمح بهذا، ومن غير المعقول البتة أن ننتظر من كل قضايا العلم أن تكون جدلية. السمة المميزة للمنهج العلمي هي حذف القضية التي ثبت خطؤها وإحلالها بأخرى أكثر منها صوابا، بغير مبرر للبحث عن نقيضها فضلا عن مركب من القضية ونقيضها، ثم إن عالم العلم كمي، والكمية مجرد عناصر موجودة معا، أي أنها نقيض الوحدة الجدلية. العلم لا يعنيه البتة الانتقال من الكم إلى الكيف، كما يؤكد الجدل. وليس يفترض العلم أية انقلابات جدلية في مسار الطبيعة، بل على العكس يفترض استمرارية ما. جملة القول أن أبسط تحليل منطقي يكشف عن التضارب بين المنهج الجدلي والمنهج العلمي، ولم يكن هذا خافيا عن أي ملم بأساسيات المنطق؛ لذا دأب الشيوعيون على القول إن منهج العلم يناقض الجدل لأنه يكشف عن وجهة النظر البرجوازية.
ولما كان العلم أساسا هو المنهج، وكان منهج ماركس بكل هذا الاضطراب والتناقض، كانت نظريته علمية زائفة؛ إنها تحاول علمنة التاريخ، أي أن تجعله علما كالطبيعة، له قوانين نستخلص منها تنبؤات يقينية، أي تنبؤات ستحدث حتما، لينتهي إلى أن الشيوعية ليست نظرية نقبلها أو نرفضها، أو ننقدها أو نعدلها، بل هي أمر محتوم، سيحدث قطعا شئنا أم أبينا، وقصارى ما نستطيع أن نفعله هو الثورة الدموية التي تخفف آلام الوضع، أي فقط تقصر المرحلة التاريخية التي ستعقبها الاشتراكية، حتما على أية حال. وفضلا عن أننا الآن في عصر النسبية والكوانتم اللتين لم يشهدهما ماركس، فقد أدركنا أنه لا التاريخ علم كالطبيعة، ولا الطبيعة أو أي علم آخر يمكن أن يكون حتميا بمثل هذا المنظور.
صفحه نامشخص