فحق القوامة مستمد من التفوق الطبيعي في استعداد الرجل، ومستمد كذلك من نهوض الرجل بأعباء المجتمع، وتكاليف الحياة البيتية.
فهو أقدر من المرأة على كفاح الحياة، ولو كانت مثله في القدرة العقلية والجسدية؛ لأنها تنصرف عن هذا الكفاح قسرا في فترة الحمل والرضاعة.
وهو الكفيل بتدبير معاشها، وتوفير الوقت لها في المنزل لتربية الأبناء، وتيسير أسباب الراحة والطمأنينة البيتية.
وكلاهما فارق ضروري، تقضي به وظائف الجنسين، ويقضي به توزيع العمل في البيئة الإنسانية ، كلما تقدم الإنسان، واتسعت في نفسه وفي مجتمعه عوامل العطف، وملكات العقل وخصائص المزاج، ويقضي به اختلاف الحقوق والواجبات؛ ذلك اختلاف لم يخلق لإلغاء الفوارق، بل للاعتراف بها، وتوجيهها إلى وجهتها المعقولة، ولا نحسب أن المجتمع الإنساني ناج من مشكلاته المعقدة، في سياسة الأمة، وسياسة البيت، وسياسة الحياة الفردية، حتى يثوب إلى هذا التقسيم الطبيعي الذي لا محيص عنه، فيعمل الرجال عمل الرجال، ويعمل النساء عمل النساء، وتقام دولة المرأة في البيت، ودولة الرجل في معترك الحياة. •••
فالمجتمع الذي يتزاحم فيه النساء والرجال على عمل واحد في المصانع والأسواق لن يكون مجتمعا صالحا، مستقيما على سواء الفطرة، مستجمعا لأسباب الرضا والاستقرار بين بناته وبنيه؛ لأنه مجتمع يبذر جهوده تبذير السرف والخطل على غير طائل، ويختل فيه نظام المعمل والسوق، كما يختل فيه نظام الأسرة والبيت.
فالمرأة لم تزود بالعطف والحنان والرفق بالطفولة، والقدرة على فهمها وإفهامها، والسهر على رعايتها في أطوارها الأولى؛ لتهجر البيت، وتلقي بنفسها في غمار الأسواق والدكاكين.
وسياسة الدولة كلها ليست بأعظم شأنا، ولا بأخطر عاقبة من سياسة البيت؛ لأنهما عدلان متقابلان: عالم العراك والجهاد، يقابله عالم السكينة والاطمئنان، وتدبير الجيل الحاضر يقابله تدبير الجيل المقبل، وكلاهما في اللزوم وجلالة الخطر سواء.
وإنما الآفة كلها من حب المحاكاة بغير نظر إلى معنى المحاكاة؛ فإن المرأة يخيل إليها أنها لا ترفع الضعة عن نفسها إلا إذا عملت عمل الرجال، وطالبت بحقوق الرجال، وقيل: إن النساء والرجال سواء، في جميع الأعمال والأحوال!
ولولا مركب النقص لكان للمرأة فخر بمملكة البيت وتنشئة «المستقبل» فيه، لا يقل عن فخر الرجل بسياسة «الحاضر» وحسن القيام على مشكلات المجتمع التي تحتاج إلى الجهد والكفاح، وهي لو رجعت إلى سليقتها لأحست أن زهوها بالأمومة أغلى لديها، وألصق بطبعها من الزهو بولاية الحكم ورئاسة الديوان، فليس في العواطف الإنسانية شعور يملأ فراغ لب المرأة كما يملأه الشعور بالتوفيق في الزواج والتوفيق في إنماء البنين الصالحين، والبنات الصالحات. •••
وقد لوحظ هذا الاعتبار في تقسيم الميراث بين الذكور والإناث، فأعطي الذكر مثل حظ الأنثيين، وبنيت هذه القسمة قبل كل شيء على اعتبار واحد؛ وهو أن الرجل يتكفل بمعيشة المرأة، وهي مشغولة بأمر البيت ورعاية الأسرة، وأنه هو الذي يجمع الثروة ويكدح في طلب المال، فمن العدل أن يعطى منه نصيبين؛ على قدر سعيه في تحصيله، وعلى قدر حاجاته التي تشتمل على حاجة النساء، ومن يعولهم من الزوجات والأبناء. •••
صفحه نامشخص