وليس عجز المرأة عن مجاراة الرجل في الأعمال العامة ناشئا من قلة المزاولة لتلك الأعمال؛ لأنها زاولت أعمال البيت ألوف السنين، ولا يزال الرجل يبزها في هذه الأعمال كلما اشتغل بصناعاتها؛ فهو أقدر منها في الطهو، وفي تفصيل الثياب، وفنون التجميل، وتركيب الأثاث، وكل ما يشتركان فيه من أعمال البيوت.
وقد يرجع الأمر إلى الخصائص النفسية، فيحتفظ الرجل فيها بتفوقه على الرغم من استعداد المرأة بتلك الخصائص من أقدم عصور التاريخ.
فالنواح على الموتى عادة تفرغت لها المرأة، منذ عرف الناس الحداد على الأموات، ولكن الآداب النسوية لم تخرج لنا يوما قصيدة من قصائد الرثاء تضارع ما نظمه الشعراء الرجال، سواء منهم الأميون والمتعلمون، وقد كان أكثر الشعراء في العهود القديمة من الأميين.
بل هناك خاصة نفسية، لا تتوقف على العلم، ولا على الحرية، ولا نوع العلم أو الوظيفة، في المجتمعات أو البيوت؛ وهي خاصة الفكاهة، وخلق الصور الهزلية، والنكات التي يلجأ إليها الناس حين يحال بينهم وبين التعبير الصريح.
وربما كان الاستبداد، أو الضغط الاجتماعي من دواعي تنشيط هذا «السلاح» النفسي في قرائح المستعبدين والمغلوبين؛ لأنه السلاح الذي ينتقم به المغلوب لضعفه، والمنفذ الذي يفرج به عن ضيقه وخوفه، وقد كان ضغط الرجال على النساء خليقا أن يغريهم باستخدام هذا السلاح لتعويض القوة المفقودة، والانتقام للحرية المسلوبة، ولكن الآداب والنوادر لم تسجل لنا فكاهة واحدة أطلقتها النساء على الرجال كما فعل الرجال المغلوبون في الأمم الحاكمة، أو المحكومة على السواء، أو كما فعلوا في تصوير رياء المرأة، واحتيالها على إخفاء رغباتها، وتزويق علاقاتها بالرجال.
وهذه الملكة - ملكة الفكاهة - خاصة نفسية لم يقتلعها من طبائع الرجال ظلم، ولا جهل، ولا فاقة، ولا عجز عن العمل في ميدان الحياة.
فمن اللجاجة أن يتجاهل المتجاهلون هذه الفوارق وهي أثبت من كل ما يثبته العلم والعلماء، وما كان للعلم أن يوجد شيئا لم يكن له وجود في الوقائع أو في تفكير العقول، وإنما هو أبدا في مقام التسجيل، أو مقام التفسير. •••
وقد أقام القرآن الفارق بين الجنسين على الأساسين اللذين يقيمانه، ويقيمان كل فارق عادل من نوعه؛ وهما: أساس الاستعداد الطبيعي، وأساس التكاليف الاجتماعية.
الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم .
6
صفحه نامشخص