184

فجر اسلام

فجر الإسلام

ژانرها

صلى الله عليه وسلم

قال : «لا تصروا الإبل والغنم، من ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، فإن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر»، قالوا: «أبو هريرة غير فقيه، وهذا الحديث مخالف للأقيسة بأسرها فإن حلب اللبن تعد، وضمان التعدي يكون بالمثل أو القيمة، والصاع من التمر ليس بواحد منهما»، وقد انتهز الوضاع فرصة إكثاره فزوروا عليه أحاديث لا تعد.

وأما عائشة أم المؤمنين فكانت أحب أزواج النبي إليه، بنى بها بعد الهجرة بستة أشهر أو سبعة، وظلت معه طول مدته بالمدينة، وتوفي النبي عنها وهي بنت ثمان عشرة سنة، واشتركت في الحياة السياسية بعد وفاته، فنقدت عثمان وحاربت عليا وكانت كما يفهم من سيرتها تتوقد ذكاء، تعلمت القراءة وعرفت كثيرا من الأدب الجاهلي، وكان لها بين الصحابة منزلة عالية يستشيرونها في مسائل دينية وقضائية، وقد مكنها ذكاؤها وخلطتها بالنبي

صلى الله عليه وسلم

أن تروي عنه كثيرا، خصوصا فيما يتعلق بشئونه البيتية التي لم يتيسر للصحابة الاطلاع عليها، وتوفيت سنة 58ه.

ويطول بنا القول لو ترجمنا للباقين، وقد تقدم طرف من أخبار كثير منهم عند الكلام على مراكز الحياة العقلية.

كان لهؤلاء الصحابة تلاميذ يختصون بهم ويروون عنهم، وتكونت على مر العصور سلاسل من المحدثين فضل علماء الحديث بعضها على بعض، فأصح أسانيد أبي بكر: «إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي بكر»، وأصح أسانيد عمر: «الزهري عن سالم عن أبيه عن جده - وهو عمر -»، وأصح أسانيد أبي هريرة: «الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة»، وأصح أسانيد عائشة: «عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة» وهكذا. •••

مضى القرن الأول الهجري جميعه ولم يجعل أحد من الخلفاء للحديث صبغة رسمية، أعني أن يعهد إلى جمع من الصحابة أو كبار التابعين أن يستوثقوا مما في أيدي الناس من الحديث ويجمعوا ما صح عندهم منه، ويكتبوه في كتاب ويرسلوا نسخا منه إلى الأمصار كما فعلوا في المصحف، ويمنعوا الناس عن أن يحدثوا بغير ما فيه؛ ولعله خطر لبعضهم ذلك، ولكن رأى هذا العمل في منتهى الصعوبة، فإنهم يروون أن رسول الله

صلى الله عليه وسلم

قبض وعدد الصحابة الذين سمعوا منه ورووا عنه 114000 كل منهم عنده الحديث والحديثان والأكثر، وقد حدث النبي قوما بما لم يحدث به آخرين، ووقع من الحوادث أمام قوم ما لم يره آخرون، وقد تفرق الصحابة في مختلف الأمصار، فجمع الحديث يقتضي استعراض هؤلاء جميعا واستماع قولهم وتدوين حديثهم، وذلك مطلب عسير المنال، وأيضا لو فعل هذا فكيف يقص الصحابي جميع ما سمع ورأى، وهو إنما يعتمد في ذلك على ذاكرته، وإنما يذكر بالمناسبات؟ إلى غير ذلك من أسباب تكاد تحيل هذا العمل، ومع هذا يظهر لنا مما حدث بعد من فوضى الحديث أن لو كان قد اقتصر على تدوين ما عرفه كبار الصحابة وجمع، ومنع الناس أن يحدثوا بغير ما فيه لكان خيرا للمسلمين.

صفحه نامشخص