20
وهو في هذا كان أستاذا لعبد الله بن عباس أخذ عنه كثيرا، ويقارنون بينهما فيقولون: «إن عبد الله بن عباس كان أعلمهما بالقرآن، وكان علي أعلمهما بالمبهمات»
21 .
ويطول بنا القول لو وصفنا الميزة العلمية لكل من مشهوري الصحابة، أمثال عبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبي الدرداء، ومعاذ بن جبل، وأبي ذر، وأبي موسى الأشعري، ولكن يمكننا أن نقول إجمالا: إن الشخصيات السابقة تبين أشهر النواحي العلمية، وهؤلاء الذين سمينا يشاكلونهم فيها أو بعضها، روي عن أبي البختري أنه قال: «أتينا عليا فسألناه عن أصحاب محمد
صلى الله عليه وسلم
فقال: عن أيهم؟ قال: قلنا: حدثنا عن عبد الله بن مسعود، قال: علم القرآن والسنة ثم انتهى، وكفى بذلك علما، قلنا: حدثنا عن أبي موسى، قال: صبغ في العلم صبغة؛ ثم خرج منه ، قال: قلنا: حدثنا عن عمار بن ياسر، فقال: مؤمن نسي وإذا ذكر ذكر، قال: قلنا: حدثنا عن حذيفة، فقال: أعلم أصحاب محمد بالمنافقين، قال: قلنا: حدثنا عن أبي ذر، قال: وعي علما ثم عجز فيه، قال: قلنا: أخبرنا عن سلمان، قال: أدرك العلم الأول والعلم الآخر، بحر لا ينزح قعره، منا أهل البيت، قال: قلنا: فأخبرنا عن نفسك يا أمير المؤمنين، قال: إياها أردتم؟ كنت إذا سألت أعطيت، وإذا سكت ابتدئت»
22
لكن لا بأس أن نذكر كلمة عن عالمين لكل منهما ناحية خاصة في العلم، وهما: عبد الله بن سلام، وسلمان:
فأما عبد الله فكان يهوديا، ويظهر أنه كان مثقفا بالثقافة اليهودية، فقد عده المفسرون في أوائل الذين قال الله فيهم: «أن يعلمه علماء بني إسرائيل»، أسلم على أثر هجرة الرسول إلى المدينة - على أحد الأقوال - وصحب عمر في سفره إلى الشام، ووقف خطيبا في المتألبين على عثمان يدافع عنه ويخذل الثائرين، ومات نحو سنة 40ه، واشتهر بين الصحابة بالعلم حتى رأيت أن معاذا عده رابع أربع يطلب عندهم العلم، ونقل المسلمون عنه كثيرا يدل على علمه بالتوراة وما حولها، وتجمع حول اسمه كثير من الإسرائيليات، ونقل عنه الحديث أبو هريرة وأنس بن مالك، وينسب إليه ابن جرير الطبري في تاريخه كثيرا من الأقوال في المسائل التاريخية الدينية.
وعلى كل حال فهو يمثل لنا ناحية خاصة دخل منها على المسلمين بعض أقوال التوراة وما إليها، ولصق بعضها بتفسير القرآن وبالقصص، وسنعرض لذلك بعد.
صفحه نامشخص