صلى الله عليه وسلم : إني أكتب إلى قوم فأخاف أن يزيدوا علي أو ينقصوا، فتعلم السريانية، فتعلمتها في سبعة عشر يوما».
ولما فتحت البلاد كان العنصر العربي هو العنصر الحاكم، فكان لا بد له أن يتعلم وأن يقرأ ويكتب، فكثرت القراءة والكتابة وخاصة في عهد التابعين.
كذلك هؤلاء الداخلون في الإسلام من غير العرب اضطروا إلى تعلم العربية لدينهم ولدنياهم، حتى اضطروا أن يتعلموا النحو لإصلاح لغتهم، كما نقلنا ذلك عن أبي عبيدة.
أضف إلى ذلك أن الفتح الإسلامي استتبع الحضارة، فبنيت - في عهد عثمان ومن بعده - الدور والقصور وشيدت بالكلس، وجعلت أبوابها من الساج، واقتنى كثير من الصحابة الأموال والجنان والعيون، كالزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص والمقداد، وهذا من غير شك يستتبع رقي الصناعة ومنها الكتابة. (الثاني):
مما أثر به الإسلام في الحركة العلمية أنه نشر بين العرب كثيرا من التعاليم التي أبناها من قبل، فرفعت مستواهم العقلي كما نشر بينهم كثيرا من أحوال الأمم الأخرى وتاريخها، بإطناب أحيانا وبإيجاز أحيانا، حسبما يدعو إليه موقف العظة، فقص علينا قصة آدم ونوح وإبراهيم ويوسف وموسى ويونس وداود وسليمان وغيرهم عليهم السلام، وشيئا من أخبار أممهم، في أسلوب جذاب، هيج النفوس إلى الاستزادة، وتعرف ما عند الأمم الأخرى منها - كاليهود والنصارى - فكان في ذلك من الثقافة، أفاد المسلمين ووسع مداركهم.
ثم شرح أحكاما في الزواج والطلاق والشئون المدنية والجنائية، كانت قانونا نظم أمور المسلمين في معيشتهم الاجتماعية والاقتصادية، واتخذه الفقهاء والمشرعون مرجعهم يستنبطون منه الأحكام، ويستهدونه فيما يعرض من حوادث جديدة خلقتها مدنيتهم، فكان ذلك أساسا لحركة تشريعية واسعة، نعرض لوصفها فيما بعد.
ذلك عدا ما له من أثر لغوي ولساني، موضعه قسم آخر من الكتاب. (الثالث):
وشيء آخر للإسلام كان له أثر كبير في الحياة العقلية، وهو أنه سلك في دعوته إلى الإيمان بالله وصفاته من علم وقدرة ووحدانية مسلكا يثير العقل، وهو الدعوة إلى النظر إلى ما في العالم من ظواهر:
أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء ،
فلينظر الإنسان مم خلق ،
صفحه نامشخص