فهم فهم: مدخل به هرمنوتیک: نظریه تأویل از افلاطون تا گادامر
فهم الفهم: مدخل إلى الهرمنيوطيقا: نظرية التأويل من أفلاطون إلى جادامر
ژانرها
Object ، على أنها شيء معين يمتلك خصائص.
غير أن العمليات الأساسية لتأويل العالم لا تقوم في تقريرات منطقية وعبارات نظرية، فالكلمات في الأغلب تكون غائبة، كما هو الحال عندما يجرب المرء مطرقة ثم يتركها جانبا دون كلام، فهذا فعل تأويل ولكنه ليس عبارة، يقول «هيدجر» إن المطرقة في الأصل هي أداة «في متناول اليد»، وعندما تصبح موضوعا لعبارة فإن تشييد العبارة نفسه يحمل معه تحولا في الحالة الأصلية، تحولا من «بالمطرقة» إلى «عن المطرقة»، تحولا من الاندماج والاستعمال إلى الإسناد والإشارة، وهكذا يبرز الحضور الشيئي وتختفي الحقيقة والماهية.
إن إبراز المطرقة كشيء هو في الوقت نفسه إخفاء لها كأداة، فنحن في السياق الوجودي الأصلي نقارب المطرقة لا بوصفها موضوعا بل بوصفها أداة، فتختفي «المطرقة-الشيء» في طي وظيفة «المطرقة-الأداة»، ذلك هو المعنى الهرمنيوطيقي الوجودي للمطرقة، أما عندما نعزل المطرقة عن وظيفتها، عن السياق العلائقي الكلي المعاش، هنالك نكون قد انتقلنا من موقف الفهم المسبق إلى موقف الإشارة الموضوعية، نكون قد نفينا المطرقة من عالم المعنى ونطاق «تناول اليد» ووضعنا ظاهرة المطرقة أمامنا كمجرد شيء ننظر إليه ونتملاه.
يدعونا «هيدجر» إلى التمسك باللحظة الوجودية الهرمنيوطية وعدم التخلي عنها لمصلحة التنظير الخالص والأحكام المحضة الراكدة عند المستوى الضحل للوقائع الحاضرة الموضوعية ، تهيب بنا هذه اللحظة الوجودية الهرمنيوطيقية أن ندرك ونميز أن جميع العبارات هي في حقيقة الأمر متشقة من، ومتجذرة في، المستوى الأكثر بداءة للتأويل، وأن العبارات لا يمكن أن تحمل معنى بمعزل عن جذورها في الوجود.
ولعلنا ندرك أهمية هذا التمييز إذا نظرنا إلى الطريقة التي تعالج بها اللغة اليوم في «علوم» اللغة، فهناك قصور في جميع تعريفات اللغة التي تبقى عند مستوى العبارات والمنطق ولا تتجاوزه، أو التي تنظر إلى اللغة على أنها مجرد تناول واع للعبارات والأفكار، ذلك أن الأساس الحقيقي للغة هو ظاهرة الكلام-النطق، حيث يجلب شيء ما إلى النور، هذه هي الوظيفة الهرمنيوطيقية للغة، وحين يبدأ المرء من الكلام يكون قد عاد إلى الحدث الذي تقوم فيه الكلمة بوظيفة الكلمة، يكون قد عاد إلى السياق الحي للغة، يقول جيرهارد إيبلنج مرددا وجهة نظر «هيدجر»: «إن للكلمة نفسها وظيفة هرمنيوطيقية.» والحق أن الوظيفة الهرمنيوطيقية الأولية للغة تأخذ موقعا مركزيا في فكر «هيدجر» المتأخر وفي التأويل الثيولوجي الجديد، تعني هذه النظرة إلى اللغة أن الفهم - على حد تعبير «إبيلنج» - ليس فهما للغة، بل فهما من خلال «اللغة»، وهي نظرة ذات أهمية ثيولوجية هائلة؛ لأنها تلفت انتباهنا مرة ثانية إلى الكلام المنطوق وتؤكد على وظيفة النطق.
إن اللغة بوصفها نطقا لا تعود حشدا موضوعيا من الكلمات التي يتناولها المرء على أنها أشياء، بل تأخذ مكانها في عالم ما هو «في متناول اليد»، وبوسع اللغة، بطبيعة الحال أن تنتقل إلى النطاق الموضوعي وتصبح مجرد شيء ماثل أمام المرء، إلا أن اللغة من الوجهة الجوهرية هي شيء يجده الإنسان «في متناول يده»، شفافا، سياقيا.
على أن اللغة بوصفها كلاما منطوقا ليست تعبيرا عن «واقع داخلي» ما، ولا ينبغي أن نأخذها هذا المأخذ، بل هي موقف يأتي إلى العلن في كلمات، حتى الحديث الشعري ليس نقلا لواقع داخلي محض بل مشاركة في عالم، وهو بوصفه كشفا لا للمتحدث بل للوجود في العالم، فهو ليس ظاهرة ذاتية ولا ظاهرة موضوعية، بل هو الاثنان معا، ذلك أن العالم سابق عليهما ومحيط بهما. (4) إسهامات «هيدجر» المتأخرة في نظرية التأويل
بكتابه «الوجود والزمان» ترك «هيدجر» أثرا حاسما على نظرية التأويل، ونقل الهرمنيوطيقا نقلة كبرى ووضع مسألة الفهم في سياق جديد تماما، ولو لم يكتب «هيدجر» شيئا بعد «الوجود والزمان» لما اختلفت مكانته ولا تأثرت أهميته في مجال التأويل، لقد صارت الهرمنيوطيقا عند «هيدجر» طريقة وجود وتخطت الحدود التي فرضها عليها دلتاي حين تصورها على أنها الشكل التاريخي للفهم كمقابل للشكل العلمي، لقد مضى «هيدجر» قدما ليعلن أن كل فهم هو فهم زماني، قصدي، تاريخي، وأن الفهم ليس عملية عقلية بل عملية وجودية، ليس دراسة عمليات شعورية ولا شعورية، بل هو انكشاف الحقيقة للإنسان وانبلاجها وتجليها، لقد كان المرء في السابق يفترض ببساطة تعريفا مسبقا لما هو حق وواقع ثم يتساءل كيف أتت عمليات الذهن بهذا الواقع إلى النور، ثم جاء «هيدجر» ليسبر الفهم إلى عمق أبعد ويشير إلى فعل تأسيس الواقع، كشف الواقع، ذلك الفعل الذي صنع التعريف المسبق وحققه، من الهموم الكبرى ل «هيدجر» المتأخر محاولة العودة إلى ما وراء هذا الحدث - تأسيس الواقع - الذي يقوم عليه اليوم الوجود نفسه ويصاغ ويتجسد.
يقول «هيدجر» إن «كل شاعر عظيم يكتب قصيدة واحدة ثم يتوسع فيها وينوع عليها ويأخذ منها»، وما دام الفكر الأصيل شعريا بالضرورة فإن كل مفكر عظيم يصدع بفكرة واحدة ثم يبقى طيلة عمره يستقصيها دون أن يستنفدها، وهذا المبدأ ينسحب على «هيدجر» نفسه، لقد كتب «الوجود والزمان» ثم طفق يستقصيه وينوع عليه، إن جميع أعمال «هيدجر» المتأخرة هي إضافات وشروح وهوامش ملحقة ب «الوجود والزمان»، وإكمال لنفس المسعى إلى الوجود، وتعميق وتجذير لتلك الاستبصارات الخصبة التي انطوت عليها رائعته الكبرى، لقد أصبح «هيدجر»، ربما، أكثر الفلاسفة شاعرية وتأويلية منذ أفلاطون، غير أن اللحن الأساسي في تفكيره لم يتغير قط بل توسع وتنوع وامتد، ونحن حين نلتفت إلى تركيز «هيدجر» على الفهم كمحور لفلسفته، يمكننا أن ندرك لماذا صار منشغلا في كتاباته المتأخرة بموضوع «التفكير»، ولماذا يعرف التفكير بوصفه استجابية لا بوصفه تلاعبا بالأفكار، وقد كان من الشائع تمييز «تحول» أو «منعطف» في فكر «هيدجر»، غير أننا حين نستعرض فكره بمنظور اليوم نجده متجانسا لا تحول فيه ولا انقلاب، ويظل كتاب «الوجود والزمان» هو التربة التي نما فيها فكره اللاحق، لقد كان «هيدجر» منذ البداية إلى النهاية معنيا بالعملية التأويلية التي يمكن للوجود بواسطتها أن يخرج إلى النور، وقد كان مدخله إلى ذلك في «الوجود والزمان» هو فينومينولوجيا الآنية (الدازاين)، وفي الأعمال اللاحقة صار مدخله استكشاف العدم، ولفظة «الوجود» نفسها، والمفاهيم اليونانية والحديثة للوجود والحقيقة، والتفكير، واللغة، صحيح أنه صار أكثر شاعرية وغموضا ونبوئية في كتاباته المتأخرة، إلا أن كشف الوجود وإظهاره بقي هو موضوعه الدائم.
في كتابات «هيدجر» المتأخرة أخذ الطابع التأويلي لتفكيره أبعادا جديدة، غير أنه صار أكثر تأويلية لا أقل، بل صار تأويليا بمعنى الاهتمام بتأويل النصوص، وفيما ظلت تيمته الرئيسية هي كيف تم نسيان الوجود وتم فهمه والتعبير عنه في حدود سكونية وماهوية، فإن موضوع التأويل قد تحول من وصف عام للحياة اليومية للإنسان في اتصاله بالوجود إلى الميتافيزيقيا والشعر، وتزايد اهتمام «هيدجر» بتأويل النصوص وبخاصة الشذور القديمة بحيث جعل التأويل جزءا من طريقته في التفلسف، ونحن قلما نجد في تاريخ الفلسفة الغربية من يضارعه في ذلك، وحتى لو لم يكن «هيدجر» قد قدم في «الوجود والزمان» إسهامه الفلسفي الحاسم في نظرية الفهم، لبقي رغم ذلك هو الأكثر تأويلية في تاريخ الفلسفة الغربية.
صفحه نامشخص