وانكار الْجنَّة وَالنَّار على مَا دلّ عَلَيْهِ الْقُرْآن مَعَ غَايَة الشَّرْح فِي وصفهَا من أَيْن عَرَفْتُمْ مَا ذكرتموه أعن ضَرُورَة أَو عَن نظر أَو عَن نقل عَن الامام الْمَعْصُوم وَسَمَاع فان عرفتموه ضَرُورَة فَكيف خالفكم فِيهِ ذَوُو الْعُقُول السليمة لَان معنى كَون الشئ ضَرُورِيًّا مستغنيا عَن التَّأَمُّل اشْتِرَاك كَافَّة الْعُقَلَاء فِي دركه وَلَو سَاغَ أَن يهذي الانسان بِدَعْوَى الضَّرُورَة فِي كل مَا يهواه لجَاز لخصومهم دَعْوَى الضَّرُورَة فِي نقيض مَا ادعوهُ وَعند ذَلِك لَا يَجدونَ مخلصا بِحَال من الْأَحْوَال
وان زَعَمُوا أَنا عرفنَا ذَلِك بِالنّظرِ فَهُوَ بَاطِل من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن النّظر عِنْدهم بَاطِل فانه تصرف بِالْعقلِ لَا بالتعليم وقضايا الْعُقُول متعارضه وَهِي غير موثوق بهَا وَلذَلِك أبطلوا الرَّأْي بِالْكُلِّيَّةِ وَلم نصنف هَذَا الْكتاب قصدا لإبطال هَذَا الْمَذْهَب فَكيف يُمكن ذَلِك مِنْهُم الثَّانِي أَن يُقَال للفلاسفة والمعترفين بمسالك النّظر بِمَ عَرَفْتُمْ عجز الصَّانِع عَن خلق الْجنَّة وَالنَّار وَبعث الأجساد كَمَا ورد بِهِ الشَّرْع وَهل مَعكُمْ إِلَّا استبعاد مَحْض لَو عرض مثله على من لم يُشَاهد النشأة الأولى لاستبعده وَعرض لَهُ ذَلِك الانكار فالرد عَلَيْهِم بِالْحجَّةِ المنطوية تَحت قَوْله تَعَالَى ﴿قل يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أول مرّة﴾ وَمن تَأمل عجائب الصنع فِي خلق الْآدَمِيّ من نُطْفَة قذرة لم يستبعد من قدرَة الله شَيْئا وَعرف أَن الاعادة اهون من الِابْتِدَاء
1 / 48