أما الصَّفْرَاء فَتَصِير نَارا وَتصير السَّوْدَاء تُرَابا وَيصير الدَّم هَوَاء وَيصير البلغم مَاء وَذَلِكَ هُوَ معاد الْجَسَد وَأما الروحاني وَهُوَ النَّفس المدركة الْعَاقِلَة من الانسان فانها ان صفيت بالمواظبة على الْعِبَادَات وزكيت بمجانبة الْهوى والشهوات وغذيت بغذاء الْعُلُوم والمعارف المتلقاة من الْأَئِمَّة الهداة اتّحدت عِنْد مُفَارقَة الْجِسْم بالعالم الروحاني الَّذِي مِنْهُ انفصالها وتسعد بِالْعودِ الى وطنها الْأَصْلِيّ وَلذَلِك سمي رُجُوعا فَقيل ﴿ارجعي إِلَى رَبك راضية مرضية﴾ وَهِي الْجنَّة وَإِلَيْهِ وَقع الرَّمْز بِقصَّة آدم وَكَونه فِي الْجنَّة ثمَّ انْفِصَاله عَنْهَا ونزوله الى الْعَالم السفلاني ثمَّ عوده اليها بالاخرة وَزَعَمُوا ان كَمَال النَّفس بموتها إِذْ بِهِ خلاصها من ضيق الْجَسَد والعالم الجسماني كَمَا أَن النُّطْفَة فِي الْخَلَاص من ظلمات الرَّحِم وَالْخُرُوج الى فضاء الْعَالم والانسان كالنطفة والعالم كالرحم والمعرفة كالغذاء فَإِذا نفذت فِيهِ صَارَت بِالْحَقِيقَةِ كَامِلَة وتخلصت فَإِذا استعدت لفيض الْعُلُوم الروحانية باكتساب الْعُلُوم من الْأَئِمَّة وسلوك طرقها المفيدة بإرشادهم استكملت عِنْد مُفَارقَة الْجَسَد وَظهر لَهَا مَا لم يظْهر وَلذَلِك قَالَ ﵇ النَّاس نيام فَإِذا مَاتُوا انتبهوا وَكلما ازدادت النَّفس عَن عَالم الحسيات بعدا ازدادت للعلوم الروحانية اسْتِعْدَادًا وَكَذَلِكَ إِذا ركدت الْحَواس بِالنَّوْمِ اطَّلَعت على عَالم الْغَيْب واستشعرت مَا سَيظْهر فِي الْمُسْتَقْبل إِمَّا بِعَيْنِه فيغنى عَن الْمعبر اَوْ بمثال فَيحْتَاج الى التَّعْبِير فالنوم اخو الْمَوْت وَفِيه يظْهر علم مَا لم يكن فِي الْيَقَظَة فَكَذَا الْمَوْت تنكشف امور لم تخطر على قلب بشر فِي الْحَيَاة وَهَذَا للنفوس الَّتِي قدستها الرياضة العملية والعلمية فَأَما النُّفُوس المنكوسة المغمورة فِي عَالم الطبيعة
1 / 45