قالت: قد وضعته، وهذه الطير تنازعني أن أدفعه إليها فيحمله إلى أعشاشها، وهذه السحاب تسألني كذلك.
قلت: فهاتيه أنظر إليه.
قالت: حيل بينك وبينه إلى ثلاثة أيام.
فسللت سيفي وقلت: لتخرجنه أو لأقتلنك.
قالت: شأنك وإياه. فلما هممت أن ألج البيت بدر إلي من داخل البيت رجل وقال لي: ارجع وراءك فلا سبيل لأحد من ولد آدم إلى رؤيته أو ينقضي زيارة الملائكة، فارتعدت وخرجت (1).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لما كانت الليلة التي ولد فيها النبي (صلى الله عليه وآله) أصبحت الأصنام على وجوهها، وارتج (2) إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرافة، فعظم ذلك أهل مملكته، فما كان يوشك من أن كتب اليه صاحب خراسان أن بحيرة ساوة غاضت تلك الليلة، وكتب إليه صاحب الشام يخبره أن وادي السماوة انقطع تلك الليلة، وكتب إليه صاحب طبرية يخبره أن الماء لم يجر تلك الليلة في بحيرة طبرية، وكتب إليه صاحب فارس يخبره أن بيوت النار خمدت تلك الليلة ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، ولم يبق سرير لملك إلا أصبح منكوسا، والملك... (3) يتكلم يومه ذلك، وانتزع علم الكهنة، وبطل سحر السحرة، ولم يبق كاهنة في العرب إلا حجبت عن صاحبها.
فلما تواترت الكتب على كسرى برز سريره وظهر لأهل مملكته وأخبرهم الخبر.
فقال الموبدان: أيها الملك إني رأيت تلك الليلة رؤيا هالتني.
قال له: وما رأيت؟
قال: رأيت إبلا صعابا تقود خيلا عرابا حتى عبرت دجلة وانتشرت في بلادنا.
صفحه ۵۵