فإذا أنا به وبيده حريرة بيضاء قد طويت طيا شديدا وقد قبض عليها وقائل يقول:
قد قبض محمد على الدنيا كلها فلم يبق شئ إلا دخل في قبضته.
ثم إن ثلاثة نفر كأن الشمس تطلع من وجوهم، في يد أحدهم إبريق فضة ونافجة مسك، وفي يد الثاني طست من زمردة خضراء، له أربعة جوانب، من كل جانب لؤلؤة بيضاء، وقائل يقول: هذه الدنيا فاقبض عليها يا حبيب الله، فقبض على وسطها، وقائل يقول: قبض (1) الكعبة. وفي يد الثالث حريرة بيضاء مطوية فنشرها فأخرج منها خاتما تحار فيه أبصار الناظرين، فغسل بذلك الماء من الإبريق سبع مرات، ثم ضرب الخاتم على كتفيه، وتفل في فيه واستنطقه فنطق فلم أفهم ما قال، إلا أنه قال: في أمان الله وحفظه وكلاءته، قد حشوت قلبك إيمانا وعلما وحلما ويقينا وعقلا وشجاعة، أنت خير البشر، طوبى لمن تبعك وويل لمن تخلف عنك، ثم ادخل بين أجنحتهم ساعة، وكان الفاعل به هذا رضوان، ثم انصرف وجعل يلتفت إليه ويقول: أبشر يا عز الدنيا والآخرة.
ورأيت نورا يسطع من رأسه حتى بلغ السماء، ورأيت قصور الشامات كأنها شعلة نار نورا، ورأيت حولي من القطاء أمرا عظيما قد نشرت أجنحتها (2).
قال عبد المطلب: لما انتصفت تلك الليلة إذا أنا ببيت الله قد اشتمل بجوانبه الأربعة وخر ساجدا في مقام إبراهيم (عليه السلام)، ثم استوى البيت مناديا: الله أكبر رب محمد المصطفى، الآن قد طهرني ربي من أنجاس المشركين وأرجاس الكافرين، ثم انتقضت الأصنام وخرت على وجوهها، وإذا أنا بطير الأرض حاشرة إليها، وإذا جبال مكة مشرفة عليها، وإذا بسحابة بيضاء بإزاء حجرتها، فأتيتها وقلت:
أنائم أنا أم يقظان؟
قالت: بل يقظان.
قلت: فأين نور جبهتك؟
صفحه ۵۴