الحجة الثالثة: إن المعلوم ضرورة من دينه صلى الله عليه وآله وسلم أن الجهاد فرض واجب على الأمة، وأن وجوبه لم يسقط بموته صلى الله عليه وآله وسلم ، وأن الإمام شرط في أدائه والقيام به، مع كون إقامة الإمام أمرا ممكنا للأمة، ويثبت بذلك وجوبه.
فهذه الأدلة الثلاثة غاية ما يستدل به في هذه المسألة، ويعتمد عليه، ولم نشر إلا إلى أصولها، ولها بسط وتفصيل، وسياق، لمقدماتها، واحتجاج عليها، يطول شرحه ونشره، فلم نر موجبا لاستيفائه هنا، إذ هي أمور معروفة متداولة، والقصد الاختصار، والله تعالى الموفق للصواب.
القول في كون هذه المسألة قطعية
هذا هو مذهب الأكثر على ما حكاه الإمام المهدي أحمد بن يحيى(1) عليه سلام الله ورضوانه، قال عليه السلام : وزعمت الأشعرية وبعض المعتزلة أنها اجتهادية بناء منهم على أن أدلتها ظنية.
قلت: ولا يبعد أن أكثرهم القائلون إنها اجتهادية، فإنه لا ينقل عن أحد من طوائف الفقهاء وأتباع أئمتهم القول بقطعيتها، وكلامهم فيها وقواعدهم تقضي بأنها عندهم من المسائل الظنية الاجتهادية.
واعلم أن هذا الخلاف يذكر في وجوب الإمامة، والظاهر أن القائلين بقطعيتها يقولون بذلك في وجوبها، وغيره من مسائلها كشروطها وأحكامها وطريقتها، والنص على بعض الأئمة وغير ذلك، ويعدون الإمامة وتفاريعها من المسائل القطعية العلمية، وما كان فيها من عملي فمترب(2) على علمي، وإدخالهم لها في فن الكلام يدل على ذلك، فإنه لا شيء منه ظني، وأن القائلين بظنيتها دون ذلك في جميع مسائلها، إذ لا يصح أن يكون فروعها قطعية وأصولها ظنية ولا ذلك، وهو كالعلم بالصفة مع العلم بالذات، فلا يصح أن يكون العلم بالذات استدلاليا، والعلم بالصفة ضروريا، ولا أن يكون اعتقاد الذات غير علم، واعتقاد الصفة علما، وهذا أمر ظاهر، والله أعلم.
صفحه ۷۵