المشتمل على كثير من الرسائل المحبرات والجوابات الشافيات على الأسئلة الواردات ومطارحات العلماء بتحرير المشكلات واستمداد جوابات النحارير الوافيات
مما ولي جمعه وتصنيفه وتهذيبه وترصيفه الأئمة الثلاثة:
- الهادي علي بن المؤيد بن جبريل
-والهادي عزالدين بن الحسن بن علي بن المؤيد
-والناصر الحسن بن عزالدين
عليهم السلام
ومع جوابات العلماء الفطاحل
رحم الله الجميع
وصلى الله على محمد وآله
صفحه ۱
[المجلد الأول]
القسم الأول
مباحث في الإمامة
مقدمة التحقيق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الملهم للسداد، والهادي إلى سبيل الرشاد، والصلاة والسلام الأتمان على النبي المبعوث لإرشاد العباد، وعلى آله قرناء الوحي الحامين للدين عن التغيير والإفساد.
وبعد؛ فإن من نعم الله التي يجب شكرها ويحسن ذكرها تيسير نشر كتب الهداية بالطبع والإخراج حتى يتيسر للباحثين التنقيب عن مشكلات دينهم، ويتبصرون في المعضلات والنوازل الحادثات بأقوال الأئمة الهداة، الذين عمدوا أقوالهم بالدليل، وأناروا في غياهب الظلمات طريق الحق وأبانوا السبيل، من نجوم الاهتداء ورجوم الاعتداء من آل محمد المصطفى، وسلالة الوصي المجتبى، من أولاد الحسنين النجباء، الذين خصهم الله بالاصطفاء، وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، صفوة الرب الجليل، ودعوة إبراهيم الخليل، كم من آية دلت على فضلهم، وسبقهم، وتعظيم حالهم، ورفع قدرهم:
ولهم فضائل لست أحصي عدها
من رام عد الشهب لم تتعدد
والقوم والقرآن فاحفظ قدرهم
صفحه ۲
ثقلان للثقلين نص محمد ولأمر عظيم، وشأن جسيم، قرنهم أبوهم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بالقرآن العزيز، وجعلهم عدله في حديث الثقلين، فكما أن الكتاب حق فالعترة حق، والنبي الكريم حكيم "لاينطق عن الهوى(3)إن هو إلا وحي يوحى"[النجم: 3-4]، فهو لا يوصي أمته المرحومة ويحثها على التمسك بالكتاب والعترة، إلا لكون الكتاب حق، والعترة مع الحق لا يفارقونه، وهو لا يدل أمته إلا على سبيل رشادها، وما فيه سلامتها يوم معادها، فهو الناصح الأمين، وما زالت العترة النبوية منذ فجر الإسلام في هدي للعباد، ودعاء إلى سبيل الرشاد، لتبيين الدين الحنيف، وتزييف وجهاد للباطل السخيف، -أولهم بعد نبي الرحمة وكاشف الغمة صلوات الله عليه وعلى آله الوصي -الأنزع البطين، ثم الإمامان السبطان: الحسن والحسين صلوات الله عليهما، وخلفهم أولادهم الأئمة الهداة، حموا دين أبيهم تارة بالمرهفات الحداد، والسواعد الشداد، وأخرى باللسان، فكم لهم من مقام تحار فيه الألباب، وتجندل فيه الأبطال، وتقط فيه الرقاب، وكم لهم من أنظار في العلوم سديدة، ومؤلفات ورسائل حميدة، قارعوا فيها الخصوم بأدلة أشد وقعا من النبال، وأمضى من البواتر في رد شبه أهل الضلال:
لهمو من التصنيف ألف مصنف *** ما بين علم سابق ومجدد
فما من فن من فنون العلم إلا وقد خاضوا غماره، وفجروا بأنظارهم الموفقة أنهاره، وجنوا بصافي أفكارهم ثماره، فها هي دعوة المصطفى قد شملتهم:
صفحه ۳
والمصطفى قال إن العلم في عقبي *** فاطلبه ثم وخل الناصب القالي قال : «اللهم اجعل العلم في عقبي وعقب عقبي..» الحديث، دعوة مقبولة غير مردودة استجابها رب كريم، فزخرت ينابيع علومهم عذبا فراتا، واستخرجوا من مغاصات يعبوبهم دررا فصارت للطالبين كعبة وميقاتا، ولما أن يسر الله -وله الحمد- تسهيل النشر بالطبع والإخراج، بعد أن كانت تلك المؤلفات في بطون الأدراج، برزت تلك العقائد كأنها الشمس الضاحية في وسط النهار، فحصل بذلك الهداية للبادين والحضار، وانتفع بها أهل النهى والأفكار، أما من عند عن الحق ونكص على عقبيه فإلى دار البوار.
ولما كانت عقائد أهل البيت" وشيعتهم الأخيار الأبرار في العقائد الإلهية من توحيد وعدل، ووعد ووعيد، ونبوات وإمامات، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، تتركز على الدليل القاطع، ولا يرون التقليد فيها، لا جرم كان تمحيص دليل كل مسئلة، ودفع ما يرد على ذلك الدليل من شبهة، يتخيل الناظر أنها تنقض الدلالة أو تضعفها لتكون الأدلة سليمة عن المطاعن، وهذا هو دأب المحصلين الذين يدأبون لتخليص أدلة الاعتقاد عن شبهة تشكك فيه، لتكون اعتقاداتهم سليمة، وصحيحة مستقيمة، عملا بقوله تعالى: (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)[الزمر:18]، وبحديث: «ومن أخذ دينه عن التدبر لكتاب والتفهم لسنتي زالت الرواسي ولم يزل، ومن أخذ دينه عن أفواه الرجال وقلدهم فيه، ذهبت به الرجال من يمين إلى شمال ، وكان من دين الله على أعظم زوال».
صفحه ۴
ولما كانت مسائل النبوة قطعية، ظاهرة غير خفية، والإمامة خالفة للنبوة، إذ الإمام قائم مقام الرسول، لما في قيامه من تنفيذ الأحكام، وتبليغ شرع الله وحراسته من أن يضام، نص جهابذة أئمتنا (ع) أن مسائل الإمامة قطعية غير ظنية، وأنها يقينية، محتجين على ذلك بأدلة بسطها المؤلفون في مؤلفاتهم، وأودعوها في موضوعاتهم ورسائلهم، منها إجماع الصحابة بعد موت الرسول، فإنهم قدموا نصب الخليفة قبل الواجب الأهم من مواراته صلى الله عليه وآله وسلم، ومنها إقامة الحدود، ومنها فريضة الجهاد للكفار والبغاة، وغير ذلك من الأدلة، ولما كان يرد على بعض الأدلة شبه ومطاعن -كما قدمنا- فما من دليل من أدلة التوحيد والعدل إلا وقد أورد عليه الطاعنون جملة من الشبه والاعتراضات، ورد تلك المطاعن أئمة الهدى، فكذلك مسئلة الإمامة اعترض المعترضون أدلتها باعتراضات ومطاعن، منها ما يرجع إلى التشكيك في دلالة الإجماع أنها غير قطعية، وأن دلالة الآية:( ومن يشاقق الرسول)[النساء:115] غير صريحة بل هي ظاهر، ومنها أن الإجماع غير ممكن وإن أمكن فهو إجماع فعلي ودلالته غير قطعية، ومنها التشكيك في دلالة آية إقامة الحدود، وإن سلم دلالتها فهي باللازم فقط فليست بدلالة قاطعة، ومنها الاعتراض على دليل فريضة الجهاد بأن قالوا يمكن إقامة الجهاد بغير إمام، وليس الإمام شرطا في إقامة الجهاد... إلى غير ذلك من التمحلات.
صفحه ۵
ولما كانت هذه البلية سابقة لعصر الإمام عزالدين (ع) كما هي في منهاج القرشي وغيره، والإمام عزالدين (ع) من أولئك الأفذاذ الذين لا تسكن أنفسهم إلا إلى برد اليقين، ولا يطمئن إلا بعد أن يسبر البراهين ويحكها بمحك الصيرفي الخبير، وينقدها نقد الماهر البصير، ثم هو لا يقنع إلا بمجاثاة ركب النحارير من علماء وقته، فجاثا الركب القريب منهم، وكاتب النازح، وجد في الطلب، وأورد الإشكالات في صيغة رسالة ضمنها السؤال وطلب الجواب، وذلك في إبان شبيبته قبل تحمله للزعامة، وقبل تلبسه لدثار الإمامة، وليس ذلك له بمعتقد، ولا يراه مذهبا له، ولا هو ممن يقول أن الإمامة ظنية، ولا ممن يقول بعدم حصرها في البطنين، بل أراد إزالة الشبهة ودحض الاعتراضات، فصدر تلك الرسالة المتضمنة للسؤال، طالبا للبحث والتنقير، ورفع الإشكالات الصادرة، ودفع الشبه الواردة، وقد دخل في السؤال البحث عن حكم نافي إمامة الإمام وحكم الصلاة خلف ذلك النافي، وحكم شهادة نافي إمامة الإمام، فوصلت الرسالة إلى العالم الأصولي المتبحر النحرير الفقيه/ عبد الله النجري رحمه الله، فأجاب على الإمام بجواب لم يعن فيه العناية اللائقة بمثله، فلم يشف صدر السائل، ولا حقق المراد في أطراف تلك المسائل، بل كان كما قال العلامة صارم الدين الوزير رحمه الله: وهو جواب ليس تحته طائل وإنما هو كما قال القائل:
صفحه ۶
سألتها عن ذاك فاستعجمت *** لم تدر ما مرجوعة السائل ثم إن رسالة الإمام وصلت إلى العالم المحقق والنبراس المدقق جمال الإسلام/ علي بن محمد البكري رحمه الله، فأجاب بجواب حلق في سماء التحقيق، وجمع أشتات الأدلة من كل فج سحيق، ونفى الشبه بجلي البرهان، وقشع السدول بحسن صنعة وبيان، بيد أنه كلام البشر الذي يؤخذ منه ويذر، فرد الإمام عليه برد جميل، أعاد النقاش كرة أخرى، نقاش من برع ومهر، فرد الفقيه على النقاش رد المستبصرين، ودخل في مهامه الجدال دخول العارفين، فكشف عن الدلالة وجهها، وأبان للمهتدين نصها وفصها، ثم وصلت تلك الرسائل المتبخترة في غلائلها، المزهوة بحسن ترصيفها، وتحرير دلائلها، إلى عالم أهل البيت، المحيي لمآثر الحي منهم والميت، صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير رحمه الله، فأجاب بجواب العالم المتثبت، فصار كالحاكم على سؤال الإمام وجواب الفقيهين، فعند ذلك استقر للرسالة عصى الترحال فأنشد لسان حالها:
صفحه ۷
فألقت عصاها واستقر بها النوى *** كما قر عينا بالأياب المسافر وقر لمنشيها البال، ووقف عن القيل والقال، تسليما للحق المطلوب، الذي تطمئن به النفوس وتطيب به القلوب، ولما جمعت هذه الرسائل وأصبحت كالروض الأنيق، يشتاق إليها أرباب التحقيق، ويتطلبها أهل المعارف والتدقيق، صارت مثابة لأهل المعارف الدينية يرجعون إليها في مباحثهم العلمية، خلا أنه ما سلم جسد من حسد، فقد تعرض للإمام في زمنه من قل فهمه فلم يعرف مقاصد الكلام، أو من سمع كلاما نقله غير صحيح، فسأل الإمام في حياته، وأجابه الإمام بما سننقله بالحرف، ولم يسمع من أهل العلم والدراية والفهم من يقول أن مذهب الإمام عزالدين (ع) في الإمامة أنها غير قطعية، إلا ما نقل عن الفقيه أحمد بن عبد الله الجنداري كما نقله مولانا الحجة مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي حفظه الله في لوامعه كما يأتي نقل ذلك، وإلا ما نسمعه عن بعض كتاب العصر، فجمعت عند سماعي لذلك كتيبا سميته (منهج السلامة في بيان مذهب الإمام عزالدين في الإمامة)، فندت فيه مزاعم هذا القائل وحملته على السلامة بأنه غره أمران:
الأول: ما سرده الإمام- في المعراج، وأجبت عن ذلك بأنه سرد كلام الإمام المهدي- وأورد ذلك الحجاج مبينا وعازيا للكلام إلى قائله، ونقل الناقل لحكاية قائل ليس بمذهب للناقل، ولا يقول بذلك عاقل، وإنما يلزمه لو نقله وقرره، كيف وقد تعقبه بكلام له صريح أن المسألة قطعية، وقال: إن كلام الإمام المهدي ليس مطابقا لما يعتقده -أي المهدي وغيره- ثم صرح في آخر المبحث من أخريات الكتاب أن أجود ما يعتمد عليه في الدلالة هو الإجماع وما سواه من الأدلة، ففائدته الاستظهار وليس مستقلا بالاعتبار.
صفحه ۸
الأمر الثاني: مما غر هذا القائل هو ما سرده الإمام عليه السلام في الرسالة من الإشكالات التي طلب حلها وإقامة الأدلة عليها، وأجبت عن ذلك بما ملخصه: أن الإمام صاحب آيات، وسباق غايات، جمع شتيت الإشكالات الممكنة على أدلة الإمامة التي اعتمدها الأصحاب، وطلب الدليل، وإيضاح السبيل، من أهل الاجتهاد والتحصيل .
وهذا العمل يدل على أمور:
الأول: أنه يدل على قوة علم وفهم ثابت راسخ قدير على الإصدار والإيراد.
الثاني: أنه يدل على إيمان راسخ، وطلب للحق، وطلب للخلاص في المسائل الأصلية ليكون اعتقاده عن يقين لا تزعزعه الشبه، لأنه إذا عرف الدليل وعرف الشبهة الواردة على الدليل، وعرف نقض تلك الشبهة، كان اعتقاده صحيحا لم تعصفه عاصفات الشبه، كيف لا والإمام المؤيد بالله (ع) لم يستجز أن ينام عندما عرضت له شبهة في بعض أدلة المسائل الأصلية حتى خرج إلى بيت قاضي القضاة، والقصة معروفة في سيرته.
الثالث: أن مباحثات العلماء ومجاثاة الركب، مما يشحذ الذهن، وينير القلب، ويصفي السريرة، مع أن السؤال هو المأمور به ( فاسألوا أهل الذكر) [الأنبياء:7]، وقد حصل بهذه المباحث فوائد جمة.
ثم إنا نقول: إن السؤال والطرح وفرض ما يرد من الإشكالات لا يؤخذ من ذلك مذهب السائل، فلو سأل سائل عن المني هل هو طاهر أم نجس؟ لم يؤخذ منه مذهب للسائل، لأن ذلك استفسار فقط.
نعم ميلنا إلى الاختصار تخفيفا فلنعد إلى تفنيد زعم هذا القائل بسرد نقولات من كلام الإمام(ع) يبين ويوضح المطلوب أن مذهبه ليس كما زعمه هذا القائل أن أدلة الإمامة ظنية، وأنها فرعية اجتهادية.
قال الإمام (ع) في (العناية التامة ص53): وقد شاع في كثير من النواحي والبقاع أنا نقول بأنها اجتهادية، ويكاد يشنع علينا بذلك من في قلبه مرض، أو له في التشنيع غرض، وتشنيعهم من وجهين:
أحدهما: اعتقاده أن هذا خلف من العدل، وخطل من الرأي، وزلل في الاعتقاد.
صفحه ۹
الثاني: اعتقادهم أن هذا ينافي ما نحن فيه وعليه من الدعاء إلى الله تعالى وإلزام الناس الطاعة، وما نحن عليه من الإيراد والإصدار، والقيام بهذه التكاليف الكبار، ومن هذا ونحوه يقضي العجب، ويعرف منافاته كثير من الناس لقانون الأدب، أما أولا: فما نعلم أنا صرحنا بهذه العقيدة، ولا أتينا فيها بعبارة مفيدة، ولا زدنا على أن ناقشنا في قطعية الأدلة، ولو زدنا عليها أسئلة مشكلة قد سبقنا الأصحاب إلى إيرادها ونشر أبرادها، وإن كنا زدنا في تدقيق النظر فيها، ونقرنا عن غوامض معانيها، فمن هذا لا تؤخذ المذاهب أه.
النص الثاني
وللإمام(ع) دعوة عظيمة بليغة وجهها إلى سلطان الحبشة قال: (شرع الله سبحانه الإمامة، وجعلها للنبوة خالفة، وشد أزر الإسلام، وقمع بها مجانبه ومخالفه، وأصلح بها الأمور، ونظم بها أمر الجمهور، وحفظ بها الشرع ووظائفه، لكنه جعل لها شرائط معلومة، وشرع لها فرائض على المسلمين محتومة، ولم يجز أن يكون في العصر الواحد إلا إمام، ولا شاع أن يتصدى لها إلا من جمع أوصافها على الكمال والتمام، شعرا:
جود وفضل مع علم ومعرفة *** تحوي الفنون وإقدام وتدبير
وكونه فاطمي النجر منبعه *** من عترة لهم في الذكر تطهير
ولم يزل في كل عصر إمام يقفو إمام، وداع إلى الله تعالى وإلى إحياء شرع رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكل من قام ذلك المقام تحتمت طاعته على جميع الأنام، ولزم الاعتناء بأمره والاهتمام، والجهاد معه بالنفوس والأموال من غير إحجام، وإعانته بالحقوق المالية على مر الأيام، انتهى المراد من هذا وستمر بك أثناء الرسائل.
صفحه ۱۰
النص الثالث وللإمام (ع) الدعوة العامة، وفيها من العلوم والفوائد ما يشفي قلب الموالي، ويكمد قلب المعاند، افتتحها(ع) بقوله: (الحمد لله الذي جعل الإمامة قدوة للدين وسناما، وصلاحا لأمر العالم ونظاما، وناط بها قواعد من الدين وأحكاما، وجعلها للنبوة الهادية للخلق إلى الحق ختاما، ولشرعة سيد الأنام الفاصلة بين الحلال والحرام تكملة وتماما، والصلاة المستتبعة إكراما وسلاما، على أشرف البرية ومن كان للرسل إماما، وعلى عترته الذين ما زالوا لشريعته حفاظا وقياما... إلى قوله: إنها لما تعاظمت المحن، والتطمت أمواج الفتن، واختلطت الأمور، وانتشر نظام الجمهور... إلى قوله: وعفت مراتع العدل وأنديته... إلى قوله: وضاعت حقوق الله، ووضعت في غير ما ارتضاه، وظهرت غربة الدين، وقويت شوكة المفسدين، شخصت إلينا الأعيان من جميع النواحي والبلدان، وامتدت الأعناق من أداني الأرض وأقاصي الآفاق... إلى قوله: كر علينا الأنام كرة ما لها من مدفع، وأقبلوا علينا إقبالة لا يجدي فيها الاعتذار ولا ينفع... إلى قوله: ممن هممهم مقصورة على تقويم أمر الدين المريج، وليس لهم على جانب الدنيا تعويل ولا تعريج، بلزوم القيام لله، وتحتم الغضب لدين الله وتلافيه قبل التلف بالكلية، وإن فرطنا في ذلك أسخطنا الرحمن وأرضينا الشيطان... إلى قوله: ونظرنا إلى أن الأمر بالمعروف الأكبر، والنهي عن الفحشاء والمنكر، معلومان الوجوب بالضرورة من الدين، وإن الظنون لا تعارض اليقين، قال الله تبارك وتعالى: ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) [آل عمران:104] وقال تعالى: ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) [النحل:125]، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهن عن المنكر، أو ليوشكن أن يبعث الله عليكم عقابا تدعونه فلا يستجيب لكم»... إلى قوله: وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه رقى المنبر وقال: «أيها الناس إن الله يقول لكم: مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوني فلا أجيب لكم، وتسألوني فلا أعطيكم» فما زاد عليهن حتى نزل وقال: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا، ويأمر بالمعروف، وينه عن المنكر»... إلى قوله: وطمعنا في نيل ثواب الله الجزيل، ورضوانه الأكبر الجليل، بالتأهل لإرشاد عباد الله إلى مطابقة مراده، ودعائهم إلى طاعته، والسيرة فيهم بمقتضى شريعته، نظرا إلى قوله تعالى:( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين )[فصلت:33] وقوله عليه وآله الصلاة والسلام : «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل...» الخبر، وقوله عليه وآله الصلاة والسلام: «إن المقسطين عند الله على منابر من نور، يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا»، وقوله عليه وآله الصلاة والسلام: «نوم من إمام عادل خير من عبادة ستين سنة، وحد يقام في الأرض بحقه أزكى فيها من مطر أربعين صباحا»، وقوله عليه وآله الصلاة والسلام : «عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة؛قيام ليلها وصيام نهارها»، وقوله عليه وآله الصلاة والسلام: «أفضل الناس منزلة عند الله يوم القيامة إمام عادل»... إلى آخرها.
صفحه ۱۲
قال مولانا وشيخنا أبو الحسين مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي حفظه الله في اللوامع (المجلد الثاني ص247) بعد أن نقل كلام الإمام: (هذا وفيها من معين العلوم ما يشفي أدواء العلوم، وإنما اخترت إيراد هذا القدر منها لما فيه من بيان محل قدر الإمامة عند الإمام ع، وأنها ثانية النبوة ومنوطا بها من الدين أحكام الإسلام، وفيه بطلان ما نقله الجنداري عنه في حواشي الثلاثين المسألة، ولعله لما اطلع على الأسئلة التي أوردها الإمام فيها على الأعلام، وقد توهم ذلك غيره ممن لم يحقق مقاصد الإمام، أورد ذلك بعضهم في عصر الإمام ونسب إليه القول بأنها ظنية، وأجاب عليه الإمام بأنه لم يصرح بما ذكره السائل، وأفاد نفيه عنه، وإنه إن كان أخذه له من تلك السؤالات فهو مأخذ غير صحيح، حقق ذلك ع في فتاويه فخذه من ذلك المقام، وكم يحصل من التهافت في أمثال هذه النقولات لمن لم يتثبت ويحقق موارد الكلام، هذا والله ولي التسديد والإنعام). انتهى كلام مولانا حفظه الله.
النص الرابع
هو ما أشار إليه مولانا المجتهد المطلق مجد الدين بن محمد المؤيدي أيده الله، وهو قول الإمام ع في الفتاوي ولفظه:(وأما أنه هل يجب على المأموم امتثال أمر الإمام الذي يرى أن مسائل الإمامة اجتهادية والمأموم يرى أنها قطعية أو لا؟
صفحه ۱۳
والجواب: أن القول بكونها قطعية لا يمنع من الإلزام، ولا يكون رخصة في عدم الإلزام، ألا ترى أن كون ولاية الحقوق إلى الإمام مسألة اجتهادية، وإلى الإمام أن يلزم تسليمها إليه، وعلى المسلمين أن يلتزموا، وإن امتنع فله أن يقاتله فإذا أدى الإمام اجتهاده إلى وجوب الطاعة فله أن يلزم ذلك ويقاتل عليه كمسألة ولاية الحقوق، والمأموم إذا اعتقد الإمامة وجبت عليه الطاعة، ولعل في هذا السؤال تعريضا إلينا فقد اشتهر أنا نقول: بأن المسألة اجتهادية، وهو أمر لم يصدر منا تصريحا ولا تعريضا، وإنما جرت منا مناقشة أدلة الأصحاب واعتراضات عليها فظن ذلك) انتهى.
هذا ما سنح من بيان مذهب الإمام عليه السلام وإن كنا قد أطلنا وكان يكفي الإحالة على موضوعاته التي تضمنها هذا السفر الذي نقدمه للقراء، ولكن أحببت الإيضاح والبيان، والله الموفق والهادي.
صفحه ۱۴
[منهج العمل في التحقيق]
منهج العمل في التحيقيق
هذا واعلم أن هذا السفر العظيم قد اشتمل على الدر النظيم من المباحث القويمة، والفوائد الجسيمة، وعلى الرسائل المنقحة، والمكاتبات المهذبة، والردود الكافية، وقد قسمته إلى أربعة أقسام، في مجلدين، المجلد الأول ويحتوي على الثلاثة الأقسام الأولى:
القسم الأول
مباحث في الإمامة، وتتضمن رسائل الإمام علي بن المؤيد عليه السلام والعناية التامة بتحقيق مسائل الإمامة للإمام عزالدين عليه السلام وتتلوها رسالته في الإمامة التي طلب جوابها من علماء زمانه، وجواب النجري، ورد الإمام عليه، وجواب البكري، ومناقشة الإمام لجوابه، ورد البكري على نقاش الإمام، وجواب صارم الدين الوزير رحمهم الله جميعا.
القسم الثاني
دعوة الإمام عز الدين عليه السلام العامة، ومكاتباته، وبعض الردود على معارضيه، ووسيلة العمال، ورسالة للإمام الحسن بن عزالدين.
القسم الثالث
جوابات الإمام عزالدين وولده الإمام الحسن على أسئلة وردت عليهما فيما يتعلق بالقرآن وبالسنة وفي الأصولين وفي اللغة وغير ذلك، هذا هو المجلد الأول.
وأما المجلد الثاني فيحتوي على:
صفحه ۱۵
القسم الرابع وهو ما يتعلق بفن الفقه مما أجاب به الثلاثة الأئمة علي بن المؤيد، وعز الدين بن الحسن، وولده الحسن.
أما القسمان الأولان فهي رسائل كل رسالة منها مستقلة، ولكنا جمعناها ورتبناها، وتوثيق تلك الرسائل وأصولها سنتكلم عنه فيما بعد.
وأما القسمان الأخيران فأصلهما مجموع الفتاوى الذي جمعه السيد العلامة/ محمد بن الإمام أحمد بن عزالدين" وإنما ضممنا القسم الثالث إلى القسمين الأولين في مجلد لما بينها من التآلف والتناسق، وليكون الفقه في مجلد على حدة، وكما أن هذه المطارحات العلمية والأنظار الدقيقة التي أصبحت كالروض الأنيق، يشتاق إليها أرباب الولوع بالتحقيق، لأنها أنظار نظار ذلك العصر لا غرو، كرسنا جهودنا في جمعها وتحقيقها، وذلك منا خدمة للتراث، رجاء لنيل الثواب، ومعاونة لطلبة العلم من الإخوان والأصحاب، ولمزيد الفائدة حررنا تراجم مختصرة للمؤلفين وإن كانت شهرتهم في أوساط الزيدية شهيرة فلا غنى عن وضع ما سنح والله الموفق.
النسخ التي اعتمدنا عليها
الرسائل: صورة لمخطوطة (قطع صغير) قال في آخرها:كذا في الأم المنقول منها: تم هذا الكتاب المختصر الجليل برسم سيدي ومولاي عماد الإسلام/ يحيى بن أحمد بن محمد بن صلاح الشرفي عامله الله باللطف الخفي، أعلى الله في الدارين كلمته، وحرس بفضل القرآن مهجته، وكان الفراغ من رقمه وقت الظهيرة في نهار الأربعاء لأحد وعشرين مضت من شهر ذي القعدة الحرام سنة ستين بعد الألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلوات والتسلم بمحروس معمرة من جبل الأهنوم.
الرسائل: مخطوط للرسائل نسخ في حياة الإمام بخط كاتب الإمام عبد القادر الذماري(قطع صغير) وخط متوسط وقد أرخ بعض الرسائل بأن قال: رقم بفللة تاريخ رجب سنة ثلاث وتسعين وثماني مائة.
ونسخة رابعة لأكثر الرسائل: بقلم سيدي العلامة حسن بن محمد العجري، وهي مصورة على نسخة من أملاك مولانا العلامة علي بن محمد العجري رحمه الله.
صفحه ۱۶
[ترجمة الإمام علي بن المؤيد بن جبريل]
العناية التامة: صورة على نسخة مخطوطة (قطع متوسط) قال في آخرها: قال المؤلف مولانا أمير المؤمنين: هذا الإملاء المبارك فرغ منه أوان صلاة الجمعة لتسع ليال خلون من شهر ذي الحجة الحرام سلخ سنة ثماني وتسعين وثمانمائة سنة، وفرغت أنا من رقمه بعد شروق الشمس في يوم الخميس سادس شهر جمادي الآخرة الذي هو من شهور عام ثمان وثمانين وألف، بخط الفقير إلى الله تعالى، المستمد ممن نسخ له واطلع عليه ونظر إليه الدعا بحسن الختام وبلوغ المرام؛ صديع بن أحمد بن صالح بن دعبش، الحيمي، اليوسفي، عفا الله عنه وغفر الله له ولأبويه، ولإخوته السابقين له واللاحقين، ولجميع المسلمين المؤمنين السالكين طريق المؤمنين، بما استنسخت ورقمت للولد القاضي العلامة القدوة الفهامة محمد بن الحسن بن أحمد بن صالح بن دعبش الحيمي حفظه الله تعالى وأمد بطول حياته، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد، خاتم النبيين، وسيد الأولين، والآخرين، والحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه.
عبد الرحمن بن حسين شايم المؤيدي
غفر الله له ولوالديه
6/ربيع أول/1423ه بسم الله الرحمن الرحيم
صفحه ۱۷
ترجمة الإمام علي بن المؤيد بن جبريل
هو الإمام الهادي إلى الحق علي بن المؤيد بن جبريل بن المؤيد بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن الناصر بن الحسن بن عبدالله بن المنتصر لدين الله محمد بن المختار لدين الله القاسم بن الناصر لدين الله أحمد بن الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين.
أمه الشريفة الفاضلة فاطمة بنت يحيى بن إبراهيم بن قاسم بن الحسن بن يحيى بن يحيى".
مولده:
في شهر محرم سنة أربع وخمسين وسبعمائة (754ه)، نشأ عليه السلام على ما نشأ عليه آباؤه من السيادة والطهارة والزهد والعبادة، واشتغل بطلب العلوم حتى بلغ النهاية، وصار فيها إماما امتدت إليه أعناق العلماء، وقصده من كل ناحية الفضلاء، ولما أيس العلماء من الإمام المهدي لطول حبسه وضبطه أقبل العلماء إلى الإمام علي بن المؤيد أفواجا، وانثالوا عليه أفرادا وأزواجا، وطلبوا منه القيام بأمر الإمامة العظمى، وقالوا قد حصل اليأس من خروج المهدي، فأوجبوا عليه القيام.
صفحه ۱۸
قال الفقيه محمد بن علي الزحيف: سمعت الإمام عزالدين عليه السلام ووجدته أيضا بخطه يقول لما أسر المهدي عليه السلام في قصة معبر، وقد كان جرى عليه ما يشبه قريب من الأسر ببيت بوس وتخلص منه فرارا، وأما أسره الأخير بمعبر فقد كان وقع الإياس من خروجه، ففزع طائفة من أهل الحل والعقد إلى الإمام علي بن المؤيد، منهم القاضي العلامة محمد بن أحمد مظفر، والسيد الأفضل فقيه أهل البيت أحمد بن داود بن يحيى بن الحسين هو ووالده، وقد كانا ممن حضر قيام علي بن صلاح مع القاضي عبدالله الدواري، قال: ثم ندما فيما بلغنا وأظهرا التوبة، قال: وممن تابعه السيد العلامة محمد الداعي أحمد بن علي بن أبي الفتح، وكان آية في زمانه قد بلغ منه أنه كان يحيي الليل كله في ركعتين اثنتين يتلو القرآن كله، ومنهم محمد بن جبريل من أولاد الإمام الداعي، وله تصنيف في آيات الأحكام وغيرها.
صفحه ۱۹
ومن غير السادة الفقيه العلامة جبل العلم يوسف بن أحمد بن عثمان، والقاضي الأفضل محمد بن سليمان النجري، وكان من أعيان الزمان، والفقيه الفاضل ذو الكرامات الباهرات محمد بن صالح الآنسي، والفقيه الأجل الأوحد الأعبد محمد بن ناجي الحملاني وإخوته، وكثير من غيرهم، قال عليه السلام : وممن تابعه وشايعه السيدان الأخوان الهادي ومحمد ابنا إبراهيم بن علي بن المرتضى، قال: ومن شواهد ذلك رسالة أنشأها السيد المقام الهادي في تفضيله، وذكر كراماته. أولها: الحمد لله عليك من إمام أمة رفع فيها من شأنه، وقضى فيها بعلو مكانه، وكتاب كتبه السيد محمد بن إبراهيم بخط يده، رحمه الله إلى الإمام جوابا عن كتاب الإمام إليه، وفيه من التبجيل والتعظيم والثناء الجميل مالا يقدر قدره، وهو مفتتح بأبيات وقفت عليها، وقد ذهب أولها والباقي منها نصف الكتاب الوارد إليه:
فضضت ختامه فأفاض دمعي *** وفض الهم من قلب جريح
فلو قد كنت ميتا ثم نودي *** به لأجبت من تحت الضريح
فيا عجباه من طرس بديع *** حباه الله معجزة المسيح وآخر تلك الأبيات الرائقات:
صفحه ۲۰
أمير المؤمنين بقيت فينا *** على رغم العدا بقاء نوح
ولا زالت تقاد إليك طوعا *** رقاب العاصيات من الفتوح
وجرى في ذلك اليوم -أي في يوم دخول الهادي والمهدي عليهما السلام صعدة- التسليم من المهدي للهادي، وأشهد على نفسه بذلك جماعة من الفضلاء منهم السيد أحمد بن علي بن داود بن يحيى بن الحسين، والفقيه محمد بن صالح الآنسي ... إلخ.
روى ذلك الإمام عزالدين عليه السلام عن حي والده السيد الأفضل الحسن بن أمير المؤمنين، وعن غيره كالإمام المطهر بن محمد بن سليمان عليه السلام إلا التسليم فلم يروه له المطهر وروى التواطئ عليه، أه.
قال الإمام عزالدين عليه السلام : فلم يزل الهادي والمهدي مصطحبين، متواصلين، متجاملين، متراحمين، تدور بينهما الكتب والمراسلات، والمهدي في ذلك كالمتنحي وإن لم يظهر ذلك، ورفع يده عن التصرفات ، وترك التلقب بأمير المؤمنين، وطوى ذلك من علامته، وإذا عرض عليه أحد ممن قد أجاب الهادي عليه السلام وبايعه أن ينحرف إليه كره ذلك وأباه ...إلى آخر كلام الإمام.
صفحه ۲۱