395

دُرّ منظوم

الدر المنظوم الحاوي لأنواع العلوم

ژانرها

فقه شیعه

وأما الآثار فما نقله علماء التاريخ في الكتب والأسفار، من مبالغة من سلف من الأئمة الأطهار، ولاة الإيراد والإصدار، في البوادي الأمر اليسير الحقير، والإغراق في التنبيه لهم والتحذير، وقصة أمير المؤمنين مع قاضيه شريح رحمه الله مشهورة، وملامته إياه على القيام له في مقام الترافع إليه مأثورة، وكونه عد ذلك من جوره، وتعدي طوره، وأغرب من تلك مبالغة المتقدمين من أمراء الجور، وأهل الحور لا الكور، في انتقاد القضاة، واختيار من طرائقه مرتضاة، حتى مبير ثقيف (1)، النابذ وراء ظهره فرائض التكليف، سفاك الدماء، وشر من تحت أديم السماء، فشأنه كان ظاهرا في الحرص على اختيار الحكام، والعناية في انتقائهم من بين الأنام، وكان من مبالغة خلفاء بني أمية وبني العباس، مع كونهم أظلم الناس للناس، في هذا المعنى المشار إليه مع عدم احتفالهم بغيره من مصالح الدين، وقلة تعويلهم عليه أن ضربوا بعض أئمة العلم والفضل لامتناعهم من التولي للقضاء بالسياط، احتسابا منهم وتوغلا في الاحتراز على أمر القضاء والاحتياط، وهذا ما لا يجهله أهل التمييز، فكيف بأهل السبق في علم التاريخ والتبريز وأحق الناس بمعالي الأمور، والنظر في صلاح الجمهور، من ولي قطرا كبيرا من أبناء رسول الله حراس دينه، وحماته عن جبابرة البغي وشياطينه، فلا يليق به أن يلقى أمور الشريعة وأحكامها في مستوطنه وأطراف مملكته، وبين رعيته وواردي جهته، وينوطها بمن لا يراقب الله في الأقوال والأفعال، وأن يمكن منها أهل الأهواء والضلال، فيتخذ وصلة إلى اقتناء الذخائر والأموال، ومقترنة بالرشوة في جميع الأحوال، ومنسوجة على شر منوال، ومجراه على غير ما أمر به الملك المتعال، ولا أن يرتضي أن يصير هذا شأن أبلغ مصر من أمصار اليمن، وقصبته الشهيرة فيما قدم وحدث من الزمن، لغير داع إلى ذلك، ولا مقتض لسلوك تلك المسالك، فإن أرباب الأوامر القاهرة لا يخلو نظرهم من التعلق بصلاح أمر الدنيا أو صلاح أمر الآخرة، ومدار النجاة في الآخرة على مراعاة حدود ما أنزل الله، ومطابقة ما افترضه وما ارتضاه، وصلاح شأن الدنيا هو ثمرة العدل ومجتناه، وموجب القسط ومقتضاه، وكل راع مسئول عن رعيته في دنياه وأخراه، وما رخص لمتول أن يهمل النظر بعين الشفقة والإصلاح فيما تولاه، بل هو مأخوذ بأن ينظر لهم كنظره لنفسه، وينصحهم ولا يغشهم في شيء مما يتوخاه، روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم : «ما من أحد ولي من أمور الناس شيئا لم يحفظهم بما حفظ به نفسه إلا لم يجد رائحة الجنة» (1) رواه الطبراني في المعجمين الصغير والأوسط، وقال معقل بن يسار: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «ما من عبد يسترعيه الله عز وجل رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة» (2) رواه البخاري ومسلم، وعن معقل أيضا عنه صلى الله عليه وآله وسلم : «ما من أمير يلي أمور المسلمين ثم لا يجتهد لهم وينصح لهم إلا لم يدخل معهم الجنة» (3)، رواه مسلم وغيره.

صفحه ۴۲۸