فهؤلاء المتعارضين ولم نبالغ في استقصاء عدهم، وإلا فهم أكثر من ذلك، وأما النافون للإمامات والمنابذون والمتوقفون من أهل كل عصر وفضلاء كل دهر، فلا سبيل إلى إحصاء عددهم لكثرة سوادهم، ولو أراد مريد استقصاءهم لكل قلمه، ومل وأمل، وخرج إلى التفصيل عن الجمل.
وعلى الجملة فما من إمام من علي عليه السلام إلى زماننا إلا ومن الناس من يتوقف في إمامته، ومنهم من ينفيها، ومنهم من ينابذه.
ومن العجب العجيب أنك تجد هذا المذهب الشريف، رفع الله أعلام مجده المنيف، وصانه عن مناقص ذوي الزيغ والتحريف، تدور نصوصه وتخريجاته، ومنطوقاته ومفهوماته، على من هذه صفته، وتجد الذاهبين إلى أن مسألة الإمامة قطعية جملة وتفصيلا عاكفين على ما ذكروه وحصلوه، والفتيا منهم في جميع أقطار الزيدية صادرة بما نقله أولئك وخرجوه، ولو علموا بمقتضى مذهبهم لرفضوا فقههم جملة وتفصيلا، وابتدءوا أخذه من الأمهات تحصيلا وتعليلا.
فإن قيل: إنهم عندهم فساق تأويل، فلذلك قبلوا روايتهم وعملوا بتخريجهم.
قلنا: مذهب كثير منهم أن فاسق التأويل لا يقبل، ثم المعلوم
من مقاصدهم واعتقادهم خلاف ذلك، فإنهم يتولونهم ويرضون عنهم.
[حكم المتعارضين في الإمامة]
فإن قيل: فما المقطوع به في حق المتعارضين.
قلنا: إن كانوا أو بعضهم من غير أهل البيت، كخلفاء الدولتين فلا شك في شقاوتهم وضلالهم لما ارتكبوه من سفك الدماء، وأخذ الأموال بغير حقها، وصرفها في غير موضعها، وإقبالهم على الدنيا ولذاتها، وإعراضهم عن الآخرة، وتلعبهم بمال الله وعباد الله، فهؤلاء فساق وإن لم يعارضهم أحد من أئمة العترة أو من غيرهم، ولا يستثنى من غير أهل البيت عن هذا الحكم إلا المشائخ الثلاثة، وعمر بن عبد العزيز، أو من جرى مجراهم، لما علم من جهدهم وتشميرهم في مراضي الله تعالى ودفعهم عن حوزة الإسلام، وبعدهم عن الأثرة، ووضعهم الحقوق في مواضعها.
صفحه ۳۵۴