المبحث الرَّابع منزلة شرح العمريّ
بعد قراءتي كلّ ما وقع في يديّ من شروح هذه المنظومات مخطوطًا ومطبوعًا أقول: إنّ شرحَ العمريّ يُغني عن بقيّة الشروحِ إغناء الصّباح عن المصباح.
وبعد ما تقدَّم من سِمات شرح العمريّ في باب عرْضِ المادَّة العلميّة، والتَّقسيم، والتَّبويب، ومن اعتراضاتِه على الشَّارح الحمويّ، ومن تنوُّع مصادرِه، وحُسْنِ فَكِّه عبارةَ النَّظْم، وإيضاحِها بجلاء، كلُّ ذلك جعلَه من أشهر الشُّروح الّتي أُقيمَتْ على مئة المعاني والبيان، إنْ لم يكُن أشهرَها على الإطلاق.
وهو - إلى شُهرتِه وسَعَةِ انتشارِه - أعلاها مادّةً كما سلَف، فشرحُ الحمويِّ سابقٌ، لكنَّ العمريَّ جمعَ في شرحِه من المزايا ما لم يجتمع في شرحٍ آخَر؛ وأوَّلُ ذلك الإيضاحُ والرّغبةُ في التَّسهيل، وهي سمةٌ التزمَها العمريُّ في غالبِ الشَّرح، فعبارتُه سهلةٌ مأنوسةٌ، لا تخلو من نزعةٍ تعليميَّةٍ وحِرْصٍ على تقريب المسائلِ إلى الأفهام، ولم يقتصرِ الأمرُ على تَيْسير المادَّة، بل امتدَّ إلى جوانبَ أخرى؛ كشرح بعض الشَّواهد الشِّعريّة.
ومن مزاياه حُسْنُ العَرْضِ والتَّرتيب، فالعمريُّ امتلك ما يُمكنُ أنْ نُسميَه براعة الاستهلال وحُسْن التَّخلُّص في الشَّرح، فكان يفتَتِحُ كلَّ مبحثٍ
1 / 70