ب- وثانيهما: أنَّه عُمدةُ البلاغيِّين المتأخِّرين، وعليه مَدارُ تأليفِهم.
لهذا من الطبيعيِّ أنْ يكونَ مصدرًا يُحتجُّ به في توجيه بعضِ عبارات النَّاظِم، فالدَّارِسُ لكتابِ العمريِّ يقدِّرُ أنَّ التَّلخيصَ كانَ بِقُربِه طولَ فترةِ التَّأليف، يُتابِعُه متابعةً حَسَنة؛ كقولِه: «وقد أورَدَ لهما القزوينيُّ في التَّلخيصِ فصلًا على حِدَةٍ»، وكقولِه: «وأنواعُ الجِناسِ ذكَرَ القزوينيُّ منها خمسةَ عشرَ»، وكذا في ردِّ العجز على الصَّدر قوله: «وقد أوردَ القزوينيُّ ثلاثةَ عشرَ مثالًا لثلاثةَ عشرَ قِسمًا»، وأيضًا فإنَّ القزوينيَّ لمّا ذيَّلَ بحثَ المجازِ بتتِمّةٍ مفادُهُا أنَّ المجازَ قد يُطلَقُ على كلمةٍ تغيَّرَ حكمُ إعرابها بحذف لفظٍ أو زيادة = ذيَّلَ العمريُّ البحثَ بهذه التَّتِمَّة وسمَّاها: (تتمّةٌ لبحث المجاز)، ومن مظاهر حُسْنِ متابعتِه للتَّلخيص أيضًا أنّه يتتبَّع تسمياتِه ومصطلَحاتِه مُصرِّحًا بذلك؛ كقوله: «وعُبِّرَ عنها في التَّلخيص باللّام»، و«عبَّر في التَّلخيص بالإهانة موضعَ الاحتقار»، و«عبَّرَ عنه القزوينيُّ بالإرصاد»، و«وسمَّاهُ القزوينيُّ تجاهُلَ العارِف»، و«عبَّر عنه القزوينيّ بمُراعاة النَّظير»، وهو ينقلُ عنه بعضَ الحدودِ والتَّعريفات، بل ويستشهد بقولِه للرَّدِّ على المُخالِفين؛ كقولِه: «فإنَّ المفهومَ من كلامِ القزوينيّ في التَّلخيص والإيضاح .... فسقطَ اعتراضُ الشَّارح»، ويعتمدُ عليه في تفسير بعض المسائل أو توضيحها، وإنْ ردَّ عليه ضِمنًا في بعضِ الأحيان.
وصرَّح العمريُّ بالاستعانة كغيرِه من شُرَّاح هذه الأرجوزة بتلخيص المفتاح، وصرَّح بالأخْذِ عنه في مواضعَ تكادُ تبلغُ الثَّلاثين.
والظَّاهرُ أنَّه أدركَ أهميّة هذا الشَّرحِ، في بابِ فَهْمِ كلامِ النَّاظم وحَمْلِه على وجهِه، لكنَّه لم يكنْ يُطيقُ هذه المتابَعة، فاكتفى منها بمواضعَ مُقتضَبةٍ، غيرُها من المطوَّل والمختصَرِ أكثرُ منها؛ لأنَّ المطوَّل يضمُّ التَّلخيصَ ويشرحُه، وما قيلَ في التَّلخيص يصدُقُ في الإيضاح.
1 / 65