قبلَ أن يشرع بشرحِ بابٍ من أبواب البلاغة قد يُسوِّغُ تقديمَ هذا الباب على غيره، وقد يبيِّنُ صِلتَه ببابٍ آخرَ.
والعمريُّ، بخلافِ أكثرِ شُرَّاحِ المنظومة، يُعنى بنصِّ المتن، فتراهُ يُعلِّق على النَّظم؛ مُحاولًا أنْ يُبيِّنَ منهجَ ابنِ الشِّحنة واختياراته فيه، مُعتذِرًا له في أشياء، أو مُثْنِيًا على حُسْن سَبْكِه للكلام في هذه الأرجوزة.
وهو إلى ذلك يُعنى بِفَكِّ عبارة النَّظْم من حيثُ بيانُ الوزن الصَّرفيِّ للكلمة، أو إعرابُها، أو شرح معناها، أو إعادةُ ترتيب نَظْمِها بتأخير ما حقُّه التّأخير وتقديمِ ما حقُّه التَّقديمُ ليتوضَّحَ المرادُ بجَلاء، أو بيانُ عَودِ الضَّمير، أو بيان عَود اسم الإشارة، أو بيان ضَبْطِ بعضِ كلمات النَّظم، أو اقتراح تعديلٍ في النَّظْمِ؛ كقوله: «فكانَ على النَّاظمِ أنْ يقولَ ...»، ولكنَّ المستغرَبَ منه قلَّةُ عِنايته بتحقيق المتن قبلَ شرحِه؛ فقد أوردَ بعضَ مواضعَ من المتن فيها كسرٌ للوزن، تبيَّنَ لي - بعد تحقيق الأرجوزة - أنَّ ما أوردَه من غلط، هو رواياتٌ مذكورةٌ في بعضِ النُّسَخ.
بعد ذلك يَنتقلُ إلى بَسْطِ ما تَضَمَّنَتْهُ عبارةُ النَّاظمِ المتوقَّفُ عندَها من قواعدَ وأحكام، غيرَ مُتقيِّدٍ بحدودِ مضمونِها؛ لأنّه إنْ ألفى ما في الأرجوزةِ من مباحثَ غيرَ مُستوفًى استدرَكَ على النَّاظمِ بعضَ القضايا والجُزئيّات، وقد يُصرِّحُ بأنَّ النَّاظمَ لم يذكرها؛ كقوله: «واعلَمْ أنَّ حذفَ المسندِ إليه غيرُ مُنحصِرٍ بما ذكرَه النّاظمُ»، وقد لا يُصرِّحُ - وخاصَّةً في عِلم البيان - ورُبَّما زادَ عليه ثُمَّ اعتذرَ له بأنَّ كلامَه يدلُّ عليه وإنْ لم يذكرْهُ؛ متوسِّطًا في بيان هذا المضمون بينَ الإكثار المُمِلّ والإيجاز المُخِلّ، على أنَّه شاءَ لهذا الكتابِ أنْ يكون من مختصَرات الفنِّ؛ مُصَرِّحًا بذلك غيرَ مَرَّةٍ؛ كقوله: «ولِبَيانِها طُولٌ لا يليق بهذا المُختصَر»، وكانَ كثيرًا مّا يختمُ شرحَه لمبحثٍ بالإحالة على الكُتُبِ المُطوَّلة؛ كقوله: «وللاستئنافِ أقسامٌ تُطلَبُ من المطوَّلات».
1 / 51