(ت ٧٣٩ هـ) في مئة بيتٍ، فجمعَتْ من أبوابِ البلاغةِ ما لم يَجتمعْ في مثيلاتِها، فحَظِيَتْ بما لم تحظَ به منظومةٌ بلاغيّةٌ أُخرى من كَثرة الشُّروح، فضلًا عن كثرة النُّسَخ الخطّيّة لها حولَ العالَم.
فأقبلَ عليها المعلِّمون والمتعلِّمون في أمصارٍ مختلفةٍ حِفظًا ودرسًا وشرحًا؛ بسبب دقّتِها ووِجازتِها. وكثيرًا مّا تشيرُ كُتبُ التَّراجِم إلى أنّ هذا الرّجُل ممّا قرأَهُ مئةُ المعاني والبيان لابن الشِّحنة الحلبيّ؛ فقد كانَ ممَّا يُمتدَحُ به طالبُ العلم أن يحفظَ منظومةَ ابنِ الشِّحنة في البلاغة.
لكنّ شُداةَ البلاغةِ ما زالُوا يشتكون من غياب شرحٍ واضحٍ يَسُدُّ حاجتَهم في فَكِّ عبارة هذه المنظومة، ويعينُهم على فهم مطالبها ومباحثها. ورأيتُ لهذه المنظومة شروحًا مخطوطةً كثيرةً؛ إلّا أنّه لم يُرزَقْ أيٌّ منها بنشرةٍ عِلميَّةٍ تُغني عن بقيَّة الشُّروح.
فقرأتُ هذه الشُّروحَ جميعًا، وانتهيتُ إلى أنَّ «دُرَر الفَرائد المُسْتَحْسَنة في شرح منظومة ابن الشِّحْنة» لابن عبد الحقِّ العُمَريِّ الطَّرَابُلْسِيِّ (ت بعد ١٠٢٤ هـ) هو أنفَسُ هذه الشُّروح، وأوسعُها مادّةً بلاغيّةً، وأجوَدُها عَرْضًا للمادَّة، وأغزرُها أمثلةً، ومِن أقربِ شروح المنظومةِ مأخذًا؛ فضلًا عن كثرة مصادرِه. وهو إلى ذلك مازالَ غُفْلًا لم يُطبَع مِن قَبْلُ، ويتضمَّنُ في علم البديع رسالةً لطيفةً في الجِناس لعبد العزيز الدّيرينيّ (ت ٦٩٧ هـ) فيها تجديدٌ في الشَّواهد، ولم يَسبقْ نشرُها أو دراستُها.
وكانَ العُمَرِيُّ في شَرحِه هذا كثيرَ الاتِّكاءِ على كُتُبِ مَن سبَقَه، ولاسيَّما شرحِ مُحِبِّ الدِّين الحمويِّ (ت ٩٦٩ هـ) الذي سبقَه في شرح المنظومة، فتوقَّفَ العُمَرِيُّ يَرُدُّ آراءَه في مواضعَ كثيرةٍ، فجاءَ كتابُه «دُرَر الفرائد المُسْتَحْسَنة ...» مُغْنيًا عن بقيَّة الشُّروح إغناءَ الصَّباح عن المِصباح.
1 / 16