دیوان عبدالرحمن شکری

عبد الرحمن شکری d. 1377 AH
252

دیوان عبدالرحمن شکری

ديوان عبد الرحمن شكري

ژانرها

في هذه الصفحات نظرة المتدبر، وسجدة العابد، ولمحة العاشق، وزفرة المتوجع، وصيحة الغاضب، ودمعة الحزين، وابتسامة السخر، وبشاشة الرضى، وعبوسة السخط، وفتور اليأس، وحرارة الرجاء. وفيها إلى جانب ذلك من روح الرجولة ما يكظم تلك الأهواء، ويكفكف من غلوائها؛ فلا تنطلق إلا بما ينبغي من التجمل والثبات.

وإن شعر شكري لا ينحدر انحدار السيل في شدة وصخب وانصباب، ولكنه ينبسط انبساط البحر في عمق وسعة وسكون.

قد يعسر على بعض القراء فهم شيء من شعر شكري، فهؤلاء هم الذين يريد أكثرهم من الشاعر أن يخلق فيهم العاطفة التي بها يفهمونه، وليس ذلك مما يطلب منه، ولو حاوله لأفسد شعره بالتعمل والزيادة، ومن دأب المبتدئين من الشعراء أن يتوخوا في كلامهم الشرح والإسهاب والتفصيل، ظنا منهم أن ذلك يزيد معانيهم جلاء ويقربها من إحساس قرائهم، وليس أبعد من هذا الظن عن الصواب؛ فإن العواطف لا تتأثر بالإطناب، وإنما هو مما يتوسل به إلى إفهام العقول، وإدخال المعاني إلى الأفكار.

ومن النفوس من لا يصلح لتوقيع جميع أدوار الشعر عليه، كما لا توقع أدوار «الأوركستر» على القيثار أو المزهر؛ فإن هذه الآلات الصغيرة لا تسع تلك الأنغام المتنوعة الكثيرة. فإذا سمعت إحدى هذه النفوس أنشودة الشاعر، فسبيلها أن تستغرب رنة اللحن الذي ليس في معزفها وتر يهتز به. •••

قال لي بعض المتأدبين: إن شعر شكري مشرب بالأسلوب الإفرنجي. وأنا لا أعلم ماذا يعني هؤلاء بقولهم: الأسلوب الإفرنجي والأسلوب العربي! فإن المسألة على ما أعتقد ليست مسألة تباين في الأساليب والتراكيب، ولكنها مسألة تفاوت في جوهر الطبائع، واختلاف بين شعراء الإفرنج وشعراء العرب في المزاج كاختلاف الأمتين في الملامح والسحناء.

وأشبه بالحقيقة عندي أن يقال: الأسلوب الآري والأسلوب السامي ؛ فإنه أدل على جهة الاختلاف بين شعر الإفرنج وشعر العرب.

الآريون أقوام خيال نشئوا في أقطار طبيعتها هائلة، وحيواناتها مخوفة، ومناظرها فخمة رهيبة، فاتسع لهم مجال الوهم وكبر في أذهانهم جلال القوى الطبيعة، ومن عادة الذعر أنه يثير الخيالات في الذهن ويجسم له الوهم، فيصبح شديد التصور، قوي التشخيص لما هو مجرد عن الشخوص والأشباح.

والساميون أقوام نشئوا في بلاد صاحية ضاحية، وليس فيما حولهم ما يخيفهم ويذعرهم؛ فقويت حواسهم وضعف خيالهم.

ومن ثم كان الآريون أقدر في شعرهم على وصف سرائر النفوس، وكان الساميون أقدر على تشبيه ظواهر الأشياء؛ وذلك لأن مرجع الأول إلى الإحساس الباطن، ومرجع هذا إلى الحس الظاهر.

السامي يشبه الإنسان بالبدر، ولكن الآري يزيد أنه يمثل للبدر حياة كحياة الإنسان، ويروي عنه نوادر الحب والمغازلة والانتقام كأنه بعض الأحياء، وهذا - ولا مراء - أجمع لمعاني الشعر؛ لأنه يمد في وشائج التعاطف، ويولد بين الإنسان وبين ظواهر الطبيعة ودا وائتناسا يجعلهما الشعر السامي وقفا على الأحياء، بل على الناس دون سواهم من سائر الأحياء.

صفحه نامشخص