من الشعراء من يتجسم فيه تاريح أمته وينطبع على شعره حياتها بكل مظاهرها ومدجاليها فهو بذلك علم وطنه وعنوان أمته وهو بالأحرى كتاب نفيس يتحدث عن قومه ووطنه وهذا هو الشاعر الخالد وهذا هو الشاعر الذي يضعه النقاد في طليعة أدباء الأمة بل هذا هو الشاعر الذي يتخذونه مقياسا لفهم الأدب عند الأمة. ولست بمبالغ إذا قلت ذلك عن النابغين من الشعراء، لست بمبالغ إذ أجعلهم أعظم من الرؤساء والزعماء وقادة الحرب ذلك لأن الأدب الخالد هو المنبع الذي يمد هؤلاء بل هو الحافز الذي يدفع هؤلاء....وأنا لا أحب أن أطيل على القارئ الكريم فأقوده إلى الدليل على حقيقة سيقرها باستعراض عميق لما قرأه عن تاريخ الأمم. والقارئ العربي بوجه خاص لا يحتاج إلى إرشاد للدلالة على هذا القول فالشعر خاصة كان له مفعول كبير في نفوس العرب وقد كان دليلا على هذه الحقيقة بل كان لدى بعض الشعراء معينا لمعجزة النبوة وعندما انبثق نورها كان - صلى الله عليه وسلم - أول من يستعين به ويدرك أهميته وما خبر حسان عنكم بغامض وما أثر الشعر بتاريخ العرب بهين فيحتاج إلى تعريف. وها نحن نتلفت وراءنا فنجد على أقرب المواقف من تاريخنا مواكب من الشعر مهدت للبعث العربي الجديد في البلدان العربية جمعاء فأنت ما تكاد تقرأ روائع الشعر القومي الحديث حتى تفهم منها كثيرا من عناصر تاريخنا ومشاعرنا وسوف ترى كما قدمت أن كل شاعر من شعرائها صورة عن كتاب أمته وهذا هو الشاعر الذي يستحق الخلود.
صفحه ۳