دین: بحوث ممهدة لدراسة تاریخ الادیان
الدين: بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان
ژانرها
إن شئنا أن نضرب مثالا حسيا لهذه الأهداف المختلفة، قلنا: إن قبلة العالم المادي تحت أقدامه؛ لأن القوى التي هو منها بسبيل قوى عمياء صماء، يحس بها ولا تحس به، وإذا دعاها لا تستجيب له، وقبلة العالم الروحي هي من وجه ما في مستوى أفقه؛ لأنها وإن كانت أقدر منه على التصرف، إلا أنها قوى حية عاقلة مثله، ولكنها من وجه آخر هي دونه؛ لأنها تحت يده، متصرفة بأمره، منقادة إلى تعاويذه وطلاسمه. أما المؤمن فإنه يهدف إلى أعلى من ذلك كله؛ لأنه يتجه إلى القوة العليا بإطلاق، فالكل ينكسون أبصارهم إلى الأرض، والمؤمن يرفع رأسه إلى السماء.
الفصل الرابع
العناصر النفسية
هذه العناصر الخمسة التي يتألف منها موضوع العقيدة الدينية، ينبغي أن يضم إليها عنصر (ذاتي-نفسي) يتميز به نوع الخضوع الذي يتصف به المتدين بإزاء موضوع عقيدته.
وإليك البيان: (1) الفرق بين الخضوع الديني والخضوع الطبيعي
الناظر إلى العالم العلوي في جملته يراه مسخرا تحت سلطان القدر، في أوضاعه وأحجامه، وحركاته، وطبائعه: كل شيء فيه له قدر لا يعدوه، وطور لا يتجاوزه ... والناظر في عالمنا الأرضي كذلك يجده مقيدا بنسب معينة من البعد عن الشمس وعن الكواكب، وبمقادير معينة من الضوء والحرارة والضغط الجوي وغيرها ... (2) هل تمحى ظاهرة الموت
والناظر إلى هذه الكائنات الحية التي على ظهر الأرض يراها كلها خاضعة لقانون الشيخوخة والهرم، وأخيرا لظاهرة الموت
1 ... تلك كلها ضروب من الخضوع الطبيعي، منها ما هو آلي لا شعوري، ومنها ما هو شعوري اضطراري، كمثل الذي يتردى من نافذة علوية، فهو حين يهوي في الفضاء لا يسعه إلا الاستسلام لهذه الحركة القسرية راغما مكرها. أما المتدين فخضوعه شعوري اختياري معا، وهو حين يخشع لمعبوده ويسجد لعظمته يفعل ذلك عن طواعية لا عن كراهية؛ لأنه يقوم في ذلك بحركة نفسية من التمجيد والتقديس تأبى طبيعتها أن تؤخذ قهرا، وإنما تعطى وتمنح لمن يستحقها متى اقتنعت النفس بهذا الاستحقاق. نعم، إن هناك نوعا من الإكراه - وهو الإكراه غير المباشر، كالتهديد بالعقاب - يمكن أن يفضي إلى مظهر من مظاهر التعظيم وصورة من صوره المادية، ولكنه لا يمكن أن يتولد عنه حقيقة التعظيم ولا صورته القلبية.
فهذا وجه ينفصل به خضوع العبادة عن خضوع العبودية العامة
ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها .
صفحه نامشخص