دین انسان
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
ژانرها
لقد كان المصريون أكثر شعوب العالم القديم تدينا، غير أن تدين المصري لم يتركز في حقيقته حول الكائنات الإلهية إلا بمقدار ما تقوده الصلة مع هذه الكائنات إلى المستوى الأعمق للصلة مع المستوى القدسي للوجود، وكان يدرك بعقله ووجدانه أن كل هذه الكائنات، التي تتدرج من سوية الأولياء والقديسين إلى سوية الآلهة السماوية العظمى، ليست إلا تجليات للإله الأسمى رع، وأن هذا بدوره وفي وجوهره ليس إلا الشعار المنظور للألوهة غير المنظورة نتر. نقرأ في ترتيلة مرفوعة إلى رع وجدت منقوشة على جدار في قبر الفرعون سيتي الأولى، كيف يمثل أبو الآلهة رع كل إله، وكيف يمثل كل إله جانبا من جوانب رع: «الثناء يا رع، أنت القدرة المجيدة التي تسري في مساكن أمنت، هو ذا جسدك فهو طيمو. الثناء لك يا رع، أنت القدرة المجيدة التي تسري في مخبأ أنوبيس، هو ذا جسدك فهو خيبيرا. الثناء لك يا رع، أنت القدرة المجيدة، الذي تدوم حياته أكثر من كل الكائنات الخفية، هو ذا جسدك فهو شو. الثناء لك يا رع، أنت القدرة المجيدة، هو ذا جسدك فهو طفنوت. الثناء لك يا رع، أنت القدرة المجيدة التي تطلع الخضرة في مواسمها. هو ذا جسدك فهو سيب ... إلخ.»
8
ولدينا ترتيلة أخرى مرفوعة إلى رع أيضا تحت اسمه الأحدث آمون رع، وهي ذات مضمون مشابه: «آمون رع، الروح القدس الذي جاء إلى الوجود في البدء، الإله العظيم الذي يحيا في الحق والحقيقة، التاسوع الأول الذي أنجب التاسوعين الآخرين، الكائن الذي يوجد فيه كل إله، واحد أحد، خالق الأشياء التي جاءت إلى الوجود في البدء، ولاداته خفية، وصوره لا حصر لها، ونشأته لا تعرف، رب المكان الواحد القدير في صورة خيبيرا، الذي جاء إلى الوجود في هيئة خيبيرا ... عندما أنشأ هذا الإله القدوس نفسه خلقت السموات والأرض بقلبه ... من عينيه الإلهيتين ينبعث الرجال والنساء ، ومن فمه تطلع الآلهة ... هو رب الزمان، يتخلل الأبدية، هو القديم الذي يجدد شبابه ... هو الكائن الذي لا يعرف، وهو أخفى من جميع الآلهة.»
هذا المثال المصري عن العلاقة الجدلية بين المستوى القدسي والآلهة المشخصة، حيث يتجزأ مفهوم الألوهة إلى آلهة متعددة، وتقود هذه الآلهة المتعددة بدورها إلى الألوهة، يضعنا أمام سؤال مهم أعتقد أن الوقت قد حان لمعالجته، وهو: متى نشأت فكرة الآلهة في تاريخ الدين؟ وكيف نشأت؟ ولماذا؟
الفصل السادس
أصل الآلهة
ليس البحث عن أصل فكرة الآلهة في تاريخ الدين بالأمر الجديد، بل هو أقدم بكثير مما يتصوره البعض. ولعل أول مفكر دون لنا رأيه حول هذا الموضوع، هو الإغريقي يوهيميروس
Euhemeros
الذي أشار في كتابه: التاريخ المقدس، إلى أن الآلهة كانوا في الماضي البعيد رجالا بارزين بين الناس، وكانت لهم مكانة ممتازة في حياتهم، ثم قدسهم الناس بعد مماتهم.
1
صفحه نامشخص