دین انسان
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
ژانرها
لم يترك لنا إنسان النياندرتال شاهدا واحدا على ميله للتعبير بواسطة الفن التشكيلي عن أفكاره وإحساسه بمحيطه، وذلك باستثناء تنفيذه لبعض الحزوز على أدواته العظمية لغاية جمالية بحتة. غير أننا نستطيع البحث عن ملامح ثقافته غير المادية في مدافنه التي تم اكتشاف عدد لا بأس به منها حتى الآن. فالنياندرتال كان أول نوع بشري عني بدفن موتاه في القبور، وأظهر في ذلك حرصا كبيرا، كما أن التقاليد التي اتبعها في دفن الموتى تدل على تمتعه بحياة روحية لم يتمتع بها سابقوه، وتنبي عن وسط فكري غني بالتأمل والأفكار المجردة. وسأورد فيما يلي نماذج من أساليب الدفن التي تميزت بالتنوع لدى إنسان النياندرتالي، ثم أظهر الروابط التي تجمعها والمعاني الكامنة خلفها.
في جنوب فرنسا، عثر على كهف استخدم كمقبرة لأربعة أفراد نياندرتاليين، كان الهيكل الأول لامرأة وضعت ضمن حفرة في وضعية الجثو، حيث تلامس الركبتان البطن وتنطوي الذراعان نحو الصدر؛ والهيكل الثاني لرجل مسجى على الأرض في وضع التمدد وقد ثنيت ساقاه، وتمت حماية رأسه وكتفيه بألواح حجرية، أما الهيكلان الباقيان فلطفلين وضعا في حفرتين ضحلتين في وضعية الاستلقاء، وإلى جانب هذه القبور حفرة مليئة برماد وعظام ثور بري. وقد عثر في المنطقة نفسها على عدد آخر من قبور النياندرتال، منها قبر لفتى يافع دفن في وضع جانبي متوسدا ذراعه الأيمن، وتحت رأسه كومة من شظايا الصوان، وحوله رصفت قطع من عظام السوائم البرية، وقرب يده مقبض فأس حجرية. وفي قبر آخر دفن رجل في الخمسين من عمره ضمن حفرة طبيعية، حيث تم توجيه جثته وفق محور شرق غرب، ووجد مع الهيكل أصداف وبقايا عظام لكركدن وحصان بري وأيل وبيسون.
2
وتظهر قبور النياندرتاليين في المشرق العربي تقاليد دفن مشابهة، خصوصا فيما يتعلق بطي الجثة ضمن حفرة صغيرة، وتوجيه الجسم وفق محور شرق غرب.
تظهر الهياكل العظمية لإنسان النياندرتال المشرقي بوادر ابتعاد مورفولوجي (المورفولوجيا هو علم شكل الأحياء) عن الهيئة الكلاسيكية للنياندرتال النموذجي في أوروبا، واقترابا من هيئة الإنسان العاقل. وبشكل خاص تظهر لنا الهياكل المكتشفة في فلسطين آخر تبدل في الهيئة النياندرتالية قبل تحولها إلى شكلنا الحالي.
3
وقد مارس النياندرتاليون في فلسطين عادة الدفن في اتجاه شرق-غرب، بحيث يكون الرأس في اتجاه المشرق والعقب في اتجاه المغرب، ومعظم الهياكل المكتشفة كانت مسجاة على جانبها الأيمن، ومطوية بشدة ضمن حفر صغيرة، بطريقة تجعل الركبتين مضمومتين إلى الصدر.
4
وقد عثر على أكبر تجمع للقبور النياندرتالية الفلسطينية في مغارة السخول بجبل الكرمل، التي احتوت على عشرة هياكل عظمية تراوحت أعمار أصحابها بين الثلاثة أعوام والخمسين عاما، دفنت في حفر قليلة العمق في وضعية الانطواء ودون هدايا جنائزية مرافقة، وذلك فيما عدا أكثر المدفونين سنا الذي كان يقبض على عظم فك لخنزير بري. فإذا غادرنا فلسطين وتوغلنا شرقا، تعرفنا على عادات دفن جديدة وأكثر إثارة؛ ففي أوزبكستان يحاط جسد الميت بقرون ماعز مغروسة في الأرض، بلغ عددها في حالة طفل نياندرتالي ستة أزواج من قرون ماعز جبلي، متصلة بجزء من جمجمتها الأصلية ومغروسة حوله في انتظام.
5
صفحه نامشخص