دین انسان
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
ژانرها
وعندما تنتقل الخبرة الفردية إلى مرتبة الوحي، فإن هذا الوحي، شأنه شأن الخبرة التي مهدت له، يقتحم ساحة الشعور دون مقدرة على صده أو التحكم بشدته؛ فعندما مال النبي يونان إلى إغلاق بوابة الوحي والعزوف عن الاستجابة إليه ألقي في جوف الحوت، حيث لبث بضع ليال في ظلمة مطبقة حيث لا يشغله شيء عن الاستماع إلى نداء الوحي، وحيث عرف أنه لا مهرب من ذلك النداء المنبعث من أعماق نفسه.
3
وفي بقية كتب الأنبياء في التوراة، نلاحظ كيف تعكس عملية الوحي ذلك الاقتحام المباغت لحالة نفسية ليست من صنع صاحبها، ولا دخل له في استجلابها، فتجعل من كلماته مركبة لمعان علوية ليست من صياغته ولا من ابتكاره. نقرأ في سفر حزقيال: «فدخل في روح لما تكلم معي، وأقامني على قدمي فسمعت المتكلم معي، وقال لي يا ابن آدم، أنا مرسلك إلى أمة متمردة، هم وآباؤهم عصوا علي ...»
4
وفي أكثر من موضع نقرأ «وكانت يد الرب علي»، أو «وكانت يد الرب قوية علي»، في إشارة من النبي إلى قوة الوحي القاهرة التي لا يستطيع حيالها شيئا سوى الامتثال. وفي خضم نطقه بالنبوءة، غالبا ما تتلاشى شخصية النبي ليجري لسانه بخطاب مباشرة من القدرة الإلهية إلى الناس. وها هو إشعيا يقول: «أنا هو، أنا الأول وأنا الآخر، ويدي أسست الأرض، ويميني نشرت السموات ...»
5
وفي التقاليد الإسلامية غير الرسمية، يرث الأئمة والأولياء وحي الولاية عن النبي؛ فالترمذي في خاتم الأولياء، ومحيي الدين بن عربي في الفتوحات المكية، يريان في الولاية نبوة عامة لا تشريع فيها في مقابل النبوة الخاصة التي هي نبوة التشريع، وأن النبي محمدا قد جمع في شخصه النبوتين؛ فهو يورث النبوة العامة، ولكنه لا يورث النبوة الخاصة.
6
كما أن ابن عربي يوحد بين الإمامة والولاية، وهو يرى أنه في الزمن الواحد قد يأتي إمامان؛ إمام ظاهر هو الخليفة الحاكم، وإمام باطن هو «صاحب الوقت» الذي يدعى أيضا ب «القطب» و«الغوث»، وهو الخليفة الحقيقي. وهذان الإمامان في اتفاق تام لا يتنازعان؛ لأن لكل منهما مجالا وسلطانا، والإمام الباطن يمد على الدوام الإمام الظاهر ويسنده، ولولا هذا المدد لما دامت إمامة الظاهر. وتختم الإمامة بالإمام الأكبر، وهو الإمام المهدي كما يسميه ابن عربي.
7
صفحه نامشخص