ذو النورین عثمان بن عفان
ذو النورين عثمان بن عفان
ژانرها
فرفع عبد الرحمن رأسه إلى سقف المسجد ويده في يد عثمان فقال: «اللهم اسمع واشهد ... أني قد جعلت ما في رقبتي من ذلك في رقبة عثمان.» ثم بايعه بالخلافة، وبايعه بعده المهاجرون والأنصار.
وجاء في بعض أخبار ذلك اليوم أن عبد الرحمن بن عوف لما بايعه؛ ازدحم الناس عليه يبايعونه حتى غشوه عند المنبر، فقعد عبد الرحمن مقعد النبي صلوات الله عليه، وأقعد عثمان على الدرجة الثانية فجعل الناس يبايعونه، وأبطأ علي فقال عبد الرحمن:
فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما (الفتح: 10). فرجع علي يشق الناس حتى بايع وهو يقول:
فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون (يوسف: 18).
وقد بايع رهط الشورى عثمان في المسجد ما عدا طلحة، فإنه كان غائبا فقدم بعد ذلك وعلم بالبيعة فسأل: «أكل قريش راض به؟» ثم قال له عثمان حين ذهب إليه: «أنت على رأس أمرك ... إن أبيت رددتها.» قال طلحة: «أتردها؟» قال: «نعم» ... فسأله: «أكل الناس بايعوك؟» قال: «نعم» قال: «قد رضيت، لا أرغب عما قد اجتمعوا عليه.»
ولا نلتفت هنا إلى زوائد الأقاويل عما خدع عليا وعمن خدعه؛ فإن ما أجملناه هنا من شتى الروايات هو الأشبه والأمثل بهم أجمعين.
ولكننا نلم بطرف من تلك الأقاويل حيث يزعم بعض الرواة أن عليا بايع وهو يقول جهرة: «خدعة وأي خدعة»، وأنه يعني بذلك أن عمرو بن العاص خدعه فانخدع، وأن ابن العاص لقيه في ليالي الشورى، فألقى في روعه أن «عبد الرحمن بن عوف رجل مجتهد، وأنك إن أعطيته شرطه، زهد فيك ... ولكن تقبل على الجهد والطاقة»، ويزعم أصحاب هذه القصة أيضا أن ابن العاص لقي عثمان، فقال له: «إن عبد الرحمن رجل مجتهد، وليس والله يبايعك إلا بالعزيمة» أي وفاقا لشرطه، فاقبل منه عزيمته يبايعك عليها.
فهذه القصة وما هو من قبيلها ضرب من ضروب المخترعات المألوفة ممن يحبون أن يسندوا كل شيء إلى دهاء الدهاة وخديعة المخدوعين، فما كان علي بالذي يعتقد أن عمرو بن العاص يتآمر معه على عبد الرحمن وعثمان، وما كان عثمان بالذي يتلقى سر عبد الرحمن من عمرو بن العاص، وما تخطر هذه الخواطر إلا على بال الذين يتعشقون بطولة الدهاء؛ فيضعون عمرو بن العاص بحيث يعرف سر عبد الرحمن، ويعرف الشرط الذي سيعرض به الخلافة على علي وعثمان، ويجعل هذا يقول: «نعم» ويجعل ذاك يقول «لا» كما يشاء.
والأشبه والأمثل بهم جميعا أن يكون عبد الرحمن بن عوف وغيره يشترطون ذلك الشرط بعينه على من يقبل أمانة الخلافة في تلك الآونة، وأن عليا وعثمان يقولان ما قالاه في جوابه، ولا حاجة إلى دهاء ولا إيحاء من النصحاء والوسطاء. •••
إن حكم الحال أصدق من حكم المقال في جميع الأخبار، وهو كذلك على التخصيص في أخبار هذه المبايعة، إن لم يكن في رواية الأقوال والحوادث ففي رواية الشعور الذي كان يخامر الصدور ويتجمع فيها منذ زمن بعيد: شعور بحال لا تدوم، وخوف من تغيير وتبديل، واجتهاد في منع التغيير والتبديل أو في اجتناب الضرر منهما جهد المستطاع.
صفحه نامشخص