ولما تخرجت الطالبة وأنهت السنة التمهيدية وهي ما زالت تلاحقني، دعوتها مع غيرها إلى مكتبي الجديد في شقة الجامعة، فرفضت ظانة بي ظن السوء، وبعد أن اتفقنا على موضوع وخطة رسالة الماجستير، وكان الكتاب المطلوب باللغة الفرنسية ومترجما إلى اللغة الإنجليزية. والترجمة ليست موجودة في مصر، وفي إحدى رحلاتي إلى الخارج اشتريت لها الترجمة الإنجليزية في ثلاثة أجزاء، وأعطيتهم لها هدية مقابل قطع الشوكولاتة وزجاجات المياه الغازية التي كانت تحضرها لي تقريبا كل يوم أحضر فيه للجامعة.
كما أحضرت لي حلويات شرقية إلى معرض الكتاب الدولي حيث كنت أشارك هناك بندوة، وكانت هيئتها تبدو على «سنجة عشرة» في لباسها وهيئتها، فنهرتها بأنه يكفي ما أحضرته من قبل.
كانت رسالتها مكتوبة باللغة العربية ومجرد شروح على النص الإنجليزي دون منهج أو موضوع أو تقسيم للرسالة، أو إشكال بها أو نتيجة، ويبدو أن أحد المعيدين أو الأساتذة الشبان قد قام بكتابتها لها مقابل مبلغ من المال، وربما مكاتب تصوير وترجمة المستندات المنتشرة بمنطقة «بين السرايات» خلف الجامعة هي التي أعدت هذا الشرح مقابل الكثير من المال.
وكنت قد لاحظت منذ البداية درجة التصاقها بي المستمرة؛ فأعطيتها صورا لي تحتوي على رحلاتي لإندونيسيا مع الطلاب، وكانت مكدسة بأدراج مكتبي بلا نظام، ابتعت «ألبومين» لجمع الصور لها وترتيبهما. أخذت الحقيبة التي وضعت بها الصور والألبومين، وبعد مدة سألتها وهي تغادر سيارتي: «هل انتهيت من ترتيب الصور؟» وبدلا من أن ترد نظرت إلي وسألتني: «متى تأتي لمقابلة والدي؟ وانتظرت شهرين.» لم أفهم السؤال حينها، ولذلك لم أجب عنه وغادرت إلى منزلي وأنا أفكر في سؤالها، وبعد عدة أيام فهمت ماذا تقصد، جاء أخوها لكي يتعرف علي بالجامعة، كان يضع في حقيبة سيارته كرتونة مملوءة بالمانجو لا أذكر عددها، كانت هدية لي لأنهم لديهم مزرعة مانجو، فترددت في قبولها، فأصر، فأخذت المانجو ونقلتها إلى سيارتي، وشكرتهما. وعرفت فيما بعد أنهما أعضاء في الاتحاد الاشتراكي في مناصب كبيرة.
بعد ذلك لم أبادر بشيء تجاهها، وبعد مدة كنت حريصا على استرداد صوري منها؛ فطلبت من زوجتي الاتصال بهم وطلب الصور، ردت والدتها بأنها ربما فقدتها فهي لا تجدها، ثم اتصلت مرة أخرى وقالت بأنها تحتفظ بها في أمان ولن ترجعها لي إلا بمقابل مادي نظير مصاريف ابنتها طالبة الدراسات العليا بالجامعة، كانت زوجتي على وشك إهانتها، ولكنها لم تفعل، وانتهى الأمر عند ذلك الحد والصور العزيزة علي ما زالت عندها، وما زلت أرجو أن تعيدها لي لأضمها إلى مكتبتي التي أنوي تحويلها إلى متحف باسمي.
وفي يوم من الأيام تعرفت على أستاذة شابة بكلية الإعلام، كانت بيضاء البشرة، ترتسم على وجهها ابتسامة رقيقة. وكانت قصيرة الطول، دعوتها إلى زيارتي بمكتبي في كلية الآداب، أتت متأخرة عن الموعد، وهي تسير ببطء شديد، فلم أستطع الحديث معها.
وقابلتها مرة ثانية في الساحل الشمالي حيث كنا نصطاف في قرية «جامعة القاهرة» حول حمام السباحة، عرفتها، وعرفتني، وجلسنا، كنت مبتلا وتساقط الماء على هاتفي النقال؛ فأسرعت في نقل الأرقام. وكانت تدور في دائرة سريعة نظرا لتعطل الهاتف، وبعد أن غادرت ذهبت إلى متخصص لكي يحاول إصلاحه، قال إن هاتفي لم يعد صالحا للعمل بسبب المياه؛ فحزنت عليه أكثر من حزني على ضياع رقمها وبالتالي فراقها، كانت مجرد ريح خفيفة وليست ريحا عاتية، كان لقاء عابرا وليس علاقة دائمة.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية أثناء وجود زوجتي الحبيبة، حيث عادت مع طفلنا الأول لتوصله للقاهرة وتتركه هناك مع والدتها نظرا لأنها كانت تود دراسة الماجستير في الجامعة التي أعمل بها، وكنت في ذلك الوقت أقيم في الشقة بمفردي لمدة شهرين تقريبا، التقيت بأصدقائنا في الجامعة عدة مرات كي يخففوا من وحدتي، ودعتني إحدى السيدات الموظفات بالجامعة إلى منزلها في وسط المدينة كي أرى فيلاديلفيا من أعلى نقطة فيها. كانت سيدة كبيرة في السن، تكبرني بحوالي خمسة عشر عاما. وتقترب من سن المعاش، وكان معها صديقها الأمريكي الذي لا يبدو عليه أي علامات للثقافة والمعرفة. وبعد أن غادر دعتني إلى الجلوس بجوارها لكي نتمكن من النظر من النافذة معا، عرفت معها إحدى لحظات الحب غير العذري، ولكنني فضلت الحب العذري؛ لأنه أحر من الجمر، في حين أن الحب ما بعد العذري بالنسبة لي بارد ثقيل.
وفي المغرب بعد أن عادت زوجتي الحبيبة إلى مصر في زيارة لرؤية الأهل، كانت بعض المغربيات سهلة المنال، أراهن في المنازل إذ كن يعملن كخادمات، وإما في الطريق إذ يتهادين، أو حتى أستاذات شابات في الجامعة. يكفي أن تناديها فتستجيب وتأتي. وكان معي صديق مصري يعرف النساء هناك جيدا، كان متزوجا من مغربية. وكانت النساء المغربيات يمثلن روح التحرر، ربما من بقايا الأندلس، أو من آثار الاحتلال الفرنسي، أو من استقلالهن الفكري عن السلطات الدينية القوية مثل عندنا في مصر.
وفي اليابان كانت المرأة اليابانية تتشوق لمعرفة الأجنبي، ولكن لمرة واحدة، ولا تعرفه بعد ذلك، ولا تسمي هذا خيانة لزوجها. تعرفه في الحياة العامة، في القطار، أو في مكان العمل، أو في المحال العامة.
صفحه نامشخص