أبو اسحق الشيرازي هذين البيتين لنفسه ثم بعد مدة كنت جالسا عند الشيخ فذكر بين يديه أن هذين البيتين أنشدا عند القاضي عين الدولة حاكم صور بلد على ساحل بحر الروم فقال لغلامه أحضر ذاك الشأن يريد الشراب فقد أفتانا به الإمام أبو إسحق فبكى الشيخ ودعا على نفسه وقال ليتني لم أقل هذين البيتين ثم قال لي كيف تردهما من أفواه الناس فقلت يا سيدي هيهات قد سار بهما الركبان أورد ذلك ابن البخاري في تاريخه واسمه محمد ويلقب بمحب الدين انتهى.
لطيفة حكى الصفدي رحمه الله بالوافي بالوفيات أن أبا الحسين الجزار رحمه الله تعالى سأله طلبته يوما للتنزه فقالوا له يا سيدي أنت أجدر بشراء اللحم منا فتقدم للجزار وأطلعه من مكانه ووقف هو وأخذ السكين وقطع قطعا ثم أنه قطع قطعة رديئة فقالوا له يا سيدي هذه ليست جيدة فقال الشيخ معتذرا والله يا أولادي لما وقفت خلف الفرمة أدركني لؤم الجزارين.
قصد أبو عيينة قبيصة المهلبي واستباحه فلم يسمح له بشيء فأنصرف مغضبا فتوجه إليه داود بن زيد بن حاتم فترضاه وأحسن إليه فقال في ذلك:
داود محمود وأنت مذمم ... عجبا لذاك وأنتما من عود
ولرب عود قد يشق لمسجد ... نصفا وباقيه لحش يهودي
فالحش أنت له وذاك بمسجد ... كم بين موضع مسلح وسجود
وله هجاء في خالد:
أبوك لنا غيث نعيش بوبله ... أنت جراد لست تبقي ولا تذر
له أثر في المكرمات يسرنا ... وأنت تعفي دائما ذلك الأثر
ولما قتل جعفر بن يحيى بكى عليه أبو نواس فقيل له أتبكي على جعفر وأنت هجوته فقال كان ذلك لركوبه الهوى وقد بلغه والله أني قلت:
ولست وإن اطنبت في وصف جعفر ... بأول إنسان خري في ثيابه
فكتب: يدفع إليه عشرة آلاف درهم ويغسل بها ثيابه.
ودخل أبو دلامة على المهدي وعنده اسماعيل بن علي وعيسى بن موسى والعباس بن محمد وجماعة من بني هاشم فقال له المهدي والله إن لم تهج واحدا ممن في هذا البيت لأقطعن لسانك فنظر إلى القوم وتحير في أمره وجعل ينظر إلى كل واحد فيغمزه بأن عليه رضاه قال أبو دلامة فازددت حيرة فما رأيت أسلم من أن أهجو نفسي فقلت:
ألا بلغ لديك أبا دلامة ... فلست من الكرام ولا كرامة
جمعت دمامة وجمعت لؤما ... كذاك اللؤم تتبعه الدمامة
صفحه ۲۸۰