زكوا فروعا وحلوا مجتنى
فالمجتنى يحلو إذا الغرس طاب نشأ -عليه السلام- منشأ أعلام العترة الزكية، وأقبل على العلوم بعزيمة وصدق نية حتى أدرك منها غاية السؤل والأمنية، وكانت قراءته للعلوم على مشائخ عدة، وبدء قراءته بصعدة وفي جهات اليمن، وكانت مدة طلبه للعلم قدر عشر سنين، وقد أحرز جميع العلوم، وعرف الظاهر منها والمكتوم، والمنطوق والمفهوم، وكانت دعوته- عليه السلام- في الهجر بأسفل جبل الأهنوم سنة ست وثمانين وتسعمائة سنة بعد أن بايعه علماء الزمان، وفضلاء وقته والأوان، وبث دعاته إلى جميع الآفاق، فانتشر صيته [في جميع الأقطار]، وقام له المجد على ساق، وكان له من الوضائف في الطلب للعلم الشريف ما لا يحيط بوصفه المقال، ولا يبلغ إلى تصوره كنه الخيال، ومن بدائع همته العالية، وعزيمته السامية: أنه تغيب اثني عشر كتابا من المختصرات في جميع الفنون، منها: (الرسالة الشمسية)، و(المنتهى)، وكان يدرسها في الأوقات التي يشتغل [فيها] بقضاء ما لابد من قضائه من أعماله، وفي خلال عزمه إلى المساجد وغيرها، ويكفيك أنه لم يفت من وقته في ليله ونهاره لا قليل ولا كثير إلا ما لابد منه، بل استكمل أوقاته للطلب حتى فاز [منه] بالسؤل والأرب، ونفذت أوامره ونواهيه في جميع اليمن الأعلى إلا صنعاء فإنه لم يملكها، بل كانت في يد الأتراك، واستولى على أكثر حصون اليمن، وعلى أكثر بلاد [آل] الإمام شرف الدين، ووالاه الأكثر من أولاد الإمام شرف الدين، ووصل إليه من أعيانهم السيد الصدر المقام وجيه الدين: عبد الرحمن بن المطهر، وجهزه إلى صعدة هو والأمير محمد بن الناصر الحمزي بعد أن واجهه في أعيان أصحابه آل جودة، وكذلك واجهه أعيان من آل غرا من آل الشويع وغيرهم، وتوجه أيضا إلى صعدة السيد الأفضل جمال الدين علي بن عبد الله الغرباني، وكانت بيد السيد شمس الدين: أحمد بن الحسين، فلما وصل الرؤساء المذكورون إلى درب الخناجر خرج من صعدة إلى جهة جبل رازح، واستقر في الموضع المسمى: حرن السلب بالقرب من حصن نعمان، فوصل مقادمة الإمام -عليه السلام- إلى صعدة وافتتحوها يوم الجمعة سادس وعشرين شهر ربيع الأول سنة سبع وثمانين وتسعمائة [سنة]، واستمرت ولايته إلى شهر محرم سنة ثمان وثمانين، ونفذت فيها أوامره ونواهيه وفي سائر جهاتها، واستمرت الخطبة فيها وفي سائر البلاد، وبعد قضائهم الأرب من صعدة وأعمالها قصد السيد شمس الدين إلى جهة جبل رازح السيد جمال الدين علي بن عبد الله الغرباني وغيره، ولم يحصل بينهم حرب، ثم رجع أصحاب الإمام، وفي خلال ذلك رجع السيد عبد الرحمن بن المطهر إلى اليمن، فعالج وسائط في الصلح بين الإمام والسيد، فكان عزم السيد الإمام العلامة فخر الدين: عبد الله بن علي بن الحسين بن الإمام عز الدين - عليه السلام- إلى الإمام لتمام الصلح فتقيد ما بينه وبين الإمام ما فيه السداد بين الإمام، والسيد أحمد بن الحسين، وشرط الإمام وصوله إليه، و[قد] كان عزم ولده السيد المقام، عز الدين: محمد بن أحمد بن الحسين بن عز الدين إلى الإمام الحسن، فحسنت منزلته عنده، وولاه بلاد حيدان وساقين، فلما وصل إليه السيد شمس الدين، والسيد المقام فخر الدين، ووقفا عنده أياما ، ثم ألزمه بالعزم إلى السودة [وبلادها]، فأسعده في ظاهر الأمر، ووقع في نفسه أنه بلغه أنها وجهت بلاده للأمير محمد بن ناصر الحمزي فارتحل إلى الهجر، ثم عزم منه إلى حيدان وحصلت المفاوتة بين الإمام والسيد المذكور، فوجه الإمام محاط أخرى لحرب السيد، ووصلت إلى سواد عذر، وفي خلال ذلك تقدم السيد أحمد إلى بين الحجابين، وأطاعه خولان، ووقف هنالك أياما، ثم تقدم إلى عرو، وعزم إلى صعدة، وكان طريقه إلى علاف، ثم تقدم على صعدة وفيها الأمير محمد بن ناصر، فلقيه الأمير محمد في بئر غازي من أعمال الصحن، فوقعت بينهما هنالك وقعة كانت الدائرة فيها على [الأمير] محمد بن ناصر، وانكسر إلى عيان، وارتفعت محاط الإمام من السواد، وثبت ملك [السيد] لصعدة ونواحيها من ذلك الوقت، ثم بقي الإمام الحسن في جبل الأهنوم، وتفلتت البلاد من يده، وقد كان الإمام الحسن جمع محاط كثيرة للتقدم على صنعاء، فحصلت بينه وبين الأتراك الذين بصنعاء وقعة كبيرة كانت الدائرة فيها على أصحاب الإمام في الموضع المسمى: روى من بلاد عيال سريح، ولم يزل أهل البلاد اليمانية يخرجون من بسطته حتى لم يبق معه إلا الشرف وجبل الأهنوم وعذر، وما حول هذه الأماكن في السودة وغيرها، وبعد ذلك توجه إلى جهات اليمن الباشا حسن وملك صنعاء وجهاتها، ثم حصل بينه وبين أولاد السيد المطهر ما حصل من الأمور التي شرحها يطول بعد أن كان منه الحطاط على الأمير محمد بن الناصر بظفار، فحاصره حتى تسلم، ودخل به الباشا سنان إلى صنعاء أسيرا، ثم حبس في الدار الحمراء بصنعاء حتى مات، وبعد أن تقدمت المحاط إلى صعدة لحرب السيد أحمد بن الحسين، وكان ما قد ذكرناه فيما تقدم من قتله، واستيلاء الباشا سنان على صعدة، وبلاد خولان، ثم على حصن أم ليلى كما تقدم، واستيلاء حي أولاد السيد شمس الدين وسائر من كان بأم ليلى (إلى يده) تقدم بهم الباشا حسن إلى صنعاء، وتجهز [بهم] إلى بلاد الأهنوم، فحاصر الإمام الحسن في القدوم، وكانت هنالك وقعات كبيرة، ثم عاب بعض أهل جبل الأهنوم من غربيه بعناية من القاضي شرف الدين العيزري وغيره حتى أنه قبض عليهم في الصاب في أسفل جبل الأهنوم في شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين وتسعمائة [سنة]، وتوجه به سنان إلى صنعاء، ووقف هنالك سنة، ثم قبض أولاد مطهر الذين هم: علي ويحيى ولطف الله، وغوث ا لدين، وحفظ الله، وتقدم بهم إلى صنعاء، ولما اجتمعوا في صنعاء أرسل بهم الباشا حسن إلى باب السلطان مراد بن سليم بن سليمان بن عثمان في شهر شوال سنة أربعة وتسعين [وتسعمائة] سنة، فمنهم من مات بمصر وغيرها، ومنهم من وصل إلى باب السلطان، وبعد وصول الإمام إليه أنزله في جزيرة بالقرب من القسطنطينية، وهو الآن بالجزيرة المسماة: بذي قلة ناعم الحال ساكن البال قد أدى ما يجب عليه من طاعة ذي الجلال، وحصل له من القبول والمحبة عند السلطان محمد، ثم عند ولده السلطان أحمد ما لا يزيد على إعزاز السلطان، ووفد إليه من وفد من علماء تلك الجهات، ولما راجعوه وجدوا عنده من العلم ما لم يكن في ظنهم، وتأكدت له في قلوبهم عقيدة صحيحة، ومودة صريحة أعاد الله من بركاته، وأشركنا في صالح دعواته. آمين.
صفحه ۲۰۶