وأما شيعة الزمان، وعلماء وقته والأوان، فبايعوه رغبا ورهبا، ولم يقدر منهم أحد على الامتناع عنه والإباء، وبعد الإتفاق منهم به -عليه السلام- أعطاهم أموالا جليلة، وحباهم بتفضلات جزيلة، فارتضوه وليا، وقالوا: وجدناه بجميع الخلال المحمودة مليا؛ وكان من جملة من وفد إليه إلى صعدة السادة القادة، أرباب العلم والحلم والجود والسيادة، من آل الإمام علي بن المؤيد -عليه السلام-، وكان يومئذ أكبرهم سنا وقدرا، وأرفعهم عند الإمام ذكرا السيد العلامة القدوة في الآل والشامة والعلامة شمس الملة والدين: أحمد بن أمير المؤمنين عز الدين بن الحسن [بن] أمير المؤمنين، وسائر أولاده الأكابر، أهل المناقب والمفاخر، الوارثين لها كابرا عن كابر، فكان منه من الإنصاف لهم والإتحاف والرعاية التامة مالم يكن على أحد بخاف، وسمح لهم بما كان في الهجرة المقدسة من آثار الإمام مجد الدين من الحبوب، وسائر الأموال، وعزموا منه مجبورين الخواطر، قارة منهم النواظر، ولم يعذر [السيد] شمس الدين أحمد بن أمير المؤمنين من الاستمرار على الحكم بجهته المباركة، وقرر لجميع آل المؤيد التقريرات الكاملة، الواسعة الشاملة، وكذلك من يستحق التجليل، أسدى إليه ما هو أهله من المعروف الجزيل، وبعد سنة كاملة رجع إلى صنعاء وجهاتها، واستمر له الأمر القاهر، الممزوج بالتفضل العام الغامر مدته -عليه السلام-، وكان له في الفصاحة والبلاغة أوفر الأقسام، وحظ وافر لم يحظ به إلا القليل من الأئمة الأعلام، وها أنا أذكر [طرفا] يسيرا من بليغ أشعاره الرائقة ما حضرني وقت الرقم؛ فمن شعره -عليه السلام- القصيدة الرائقة، ذات المعاني الفائقة، المسماه: (بالقصص الحق في مدح خير الخلق) ضمنها ذكر سيرة النبي وأحواله من وقت الولادة إلى آخر سيرته ، وكذلك أخبار الصحابة المحقين، وأخبار القاسطين والمارقين، وغير ذلك مما ذكره -عليه السلام-، ولها شرحان بليغان أحدهما: لولده السيد العلامة: فخر الدين عبد الله بن أمير المؤمنين وهو شرح بسيط جدا، وشرح آخر لطيف: للفقيه العلامة: عز الدين محمد بن يحيى بن بهران، وهي معروفة متداولة، وفيها من البلاغة التي لا يقدر غيره عليها، [ولا] تستطيع فصاحة أحد أن تصل إليها، وطالعها:
لكم من الحب صافيه ووافيه
ومن هوى القلب باديه وخافيه
ومن بديع شعره المتضمن للحكمة: الأبيات التي أرسل بها إلى شيخه العلامة، الحبر الصمصامة، السيد جمال الدين: الهادي بن إبراهيم-رحمه الله [تعالى]، - وهي:
ما إن هجرتك عن بغض ولا ملل
وهل يمل النقاح العذب عطشان
ولا كفورا لما أوليت من نعم
حاشا شكوري أن يغشاه كفران
لكن أتاني كلام عنك مضطرب
ومالك فيه أبراد وأسخان
فقلت: وصل يكون الجرح غايته
بين الأحبة خير منه هجران
فالبحر يرهب إن أمواجه اضطربت
ويترك العذب إن أحمته نيران
وله أيضا إلى شيخه العلامة صارم الدين: إبراهيم بن إسماعيل من هجرة الظهرين: قصيدة بديعة قالها وهو يومئذ ابن ثماني عشرة سنة، منها:
يا نجل إسماعيل ياذا الذي
جالت به الأوهام كم من مجال
لا تحسبن أني ممن إذا است
ميل عن علياه بالمال مال
فوا لذي أوسعني همة قعساء
تسمو فوق شم الجبال
ما أقبل الدنيا وإن أقبلت
إن كان في أخراي منها اختلال
صفحه ۱۸۳