دولت اموی در شام
الدولة الأموية في الشام
ژانرها
والحقيقة أن هذه السياسة القائمة على الدم لم تمت حركة الأزارقة ولم تخنقها، بل زادتها قوة ونشاطا، خصوصا حينما توفي يزيد وأجبر ابن زياد على الهرب إلى دمشق خوفا على حياته، فبدلا من أن يكون الأزارقة في العراق وفارس رجال ابن الزبير وسيفه البتار أصبحوا عليه، يناوئونه ويضربونه الضربة تلو الضربة، فنستنتج أن الأزارقة بعد أن كانوا من أحزابه أخذوا يفتون في عضده ويخنقون دعوته في البصرة وفارس.
لما ضعفت الدولة الأموية عن القيام بحماية العراقيين خصوصا سكان الجنوب راسل أهل البصرة ابن الزبير يعلمونه أن لا إمام لهم، ويسألونه حمايتهم وصد الخوارج عنهم، وهم لقاء ذلك ينصرونه ويثبتون أقدامه ويجهزون له الجيوش، فبعث إليهم المهلب بن أبي صفرة القائد المشهور - وسنصف فتوحه في وقتها - من خراسان، فقدم البصرة وبث روح الإقدام والجهاد في القبائل والعشائر، واشترط عليهم الطاعة، وأن له ما يغلب عليه من البلاد فقبلوا ذلك درءا للأخطار المحدقة بهم وتخلصا من الفوضى، وكان المهلب نزر الكلام إلا فيما يختص بمصلحته، فصعد منبر المسجد الجامع في البصرة وألقى خطبته التي أملى بها شروطه وهي: «إنه قد غشيكم عدو جاهد يسفك دماءكم وينتهب أموالكم، فإن أعطيتموني خصالا أسألكموها قمت لكم بحربهم واستعنت بالله عليهم ... انتخب منكم أوساطكم لا الغني المثقل ولا السبروت المخف، وعلى أن لي ما غلبت عليه من الأرض، وألا أخالف فيما أدبر من رأيي في حربهم، وأترك ورائي الذي أراه وتدبيري الذي أدبره.»
72
بلغت الحملة التي قادها المهلب لقتال الأزارقة نحوا من عشرين ألفا، فواقعهم في نهر «تستر» فهزمهم، ثم في «نسلي» من أعمال الأهواز فهزمهم أيضا، وقتل زعيمهم نافع بن الأزرق، وما زال يلاحقهم من بلد إلى بلد حتى ضربهم في سابور من أرض فارس، وقد ضيق عليهم وسد السبل دونهم بعد ذلك في أيام عبد الملك بن مروان حتى قال أحدهم:
حتى متى يتبعنا المهلب
ليس لنا في الأرض منه مهرب
ولا السماء أين أين المذهب
73
والغريب أن هؤلاء الأزارقة كانوا يناضلون نضالا هائلا، وينتخبون الزعيم إثر الزعيم بعد مقتلهم، فترى قائمة من أسماء قادتهم بعد مصرع ابن الأزرق أشهرهم عبد الله بن ماحوز وقطري ابن الفجاءة وعبد ربه وغيرهم، والحقيقة التي نريد تأييدها من كلامنا هذا كله أن الأزارقة كانوا يدا قوية في نجاح دعوة ابن الزبير في أول أمرها، وكان بوسعه أن يحتفظ بهم لو أحسن أساليب السياسة فأجل المناقشة معهم في مبادئهم أو غض الطرف عنها، فيظلون جنده القوي في الساحة العراقية ومدده العظيم في قتال بني أمية، لكنه أخطأ في مناقشتهم ومجادلتهم في آرائهم، فحملوه أحمالا باهظة لا قبل له بها إذ أثاروا عليه حربا ضروسا في العراق وفارس كلفته دماء غزيرة وأموالا كثيرة كان بوسعه أن يتجنبها. (1-8) السبب الثامن: الحركة المختارية تنشط ابن الزبير
يتحقق الباحث عن الحركات الثورية التي قامت في صدر الإسلام أنها نهضت تدفعها عوامل سياسية جمة قد لا تظهرها في البدء إنما تجعل الدين ستارها، فتضرب على وتره فتهز عاطفات التعصب الكامنة في النفوس، وتستهوي عامة الناس فتجعلهم آلة تسيرهم حسبما تشاء ونعاجا تذبحهم على مذبح الجشع والمصلحة.
صفحه نامشخص