درء القول القبيح بالتحسين والتقبيح
درء القول القبيح بالتحسين والتقبيح
پژوهشگر
أيمن محمود شحادة
ناشر
الدار العربية للموسوعات بيروت
شماره نسخه
الأولى
ژانرها
أنّه أعطَى الأشياءَ مصالحَها الدنيويّةَ وهداها لها، مِن تناولِ المأكولِ والمشروب والملبوس والمنكوحٍ، وغيرِ ذلك من تحصيل المنافع ودَفعِ المضارّ بالعقل والحواسّ. ولا تَعرُّض في ذلك لسرِّ القدر بنفيٍ ولا إِثباتٍ.
ومما يدلَ على أنّ المراد ما ذكرنا أنّ القائل لذلك هو موسى لفرعون. فلو أراد به الهُدى الدينيَّ، لكان ذلك حجّةً لفرعون. مُفحِمةً لموسى؛ لأنّه كان له أن يقول لموسى: "قد زعمتَ أنّ ربَّك هَدى كلَّ شيءٍ، وأنا من جملة الأشياء، فإِن كل قد هَداني، فإِلى ما تَدعُوني؟ إِنما تَدعوني إِلى الضلال؛ إِذ ليس بعد الحقّ إِلاّ الضلال. وإِن لم يكن هداني، فقد كَذَبتَ في صفة ربِّك. ولستَ رسوله؛ لأنّ الرسول لا تخفى عليه صفاتُ مرسِلِه." لا يقال: "إِنّ فرعون كان أبلد مِن أن يَتَنبَّه لهذا السؤال"؛ لأنّا نقول: أليس هذا السؤال واردًا على التقدير المذكور؟ والله سبحانه لم يَبعّثرسلَه على وجهٍ يَرِدُ عليهم سؤالٌ مفحِمٌ. فدلَّ على أنّ الهدى مِن الله يُطلق بمعنيين: أحدهما: خلقُ الهدايةِ في قلبِ العبدِ. والثانيِ الإِرشاد إِلى سبيل الحقّ. ثمّ هو قسمان: هديً مجرَّدٌ، كما قال: ﴿وهديناه النجدين﴾، أي عَرَّفناه طريقَ الخير والشرِّ، وقوله، ﴿وأما ثمود فهديناهم﴾. والثاني هديً مستجمعٌ لشروط الهداية، وانتفاء موانعها. فالاهتداء إِنما يَلزَم من هذا الهدى، وهو لمن سَبَقت له العنايةُ؛ لا من الذي قبله، وهو حجّةٌ على مَن سَبَقَت عليه الشقاوةُ.
ونظيره مِن المشاهَدات أن يَسأَلك رجلٌ ل كبه عنايةٌ عن طريق الموضع الفلانيّ؛ فتقول له: "هذا هو الطريق؛ وأنا أَكُون معك خفيرًا مما فيه، من لصِّ، أو سبعٍ". فتخفره وتجنِّبه المخاوفَ حتى يَبلُغ مقَصدَه. ويسألك آخرَ، هو عدوّك، أو لا عناية لك به، فتقول له: "هذا الطريق؛ واحذَر مّما تجد فيه". وندعه يَذهب وحدَه. فقد يأخذه اللصُّ، وقد يأكله السبعُ، وقد يَتَردَّى في بئرٍ لا يَتَنبَّه لها، وقد تلدغه هامَّةٌ، وغير ذلك من الآفات.
فلذلك، الله تعالى، مع خلقِه مَن سَبَقَت له عنده عنايةٌ، أَرشَده إِلى سبيل النجاة؛ ثمّ
1 / 218