درء القول القبيح بالتحسين والتقبيح
درء القول القبيح بالتحسين والتقبيح
پژوهشگر
أيمن محمود شحادة
ناشر
الدار العربية للموسوعات بيروت
شماره نسخه
الأولى
ژانرها
وإِذا كان الأمر فيها مقطوعًا به، على ما زَعَمَت المعتزلةُ، من أنّ صحّة مذهبهم فيها ضروريٌ، فكيف يَنهاهم النبيُّ ﵇ عن النزاع فيها، مع إِمكانه تصويبَ أحدِ القولين، فيرتفِع الخلافُ، وتَشتهِر فتواه فيها، وتُنقَل إِلى يوم القيامة! وهل كان النبيّ ﵇ تخفَى عنه الضروريّاتُ، وتَعلَمُها المعتزلة! ما هذا إِلاّ كقولهم، "خَفِي على موسى أنّ رؤية اللهِ لا تجوز، حتى سَألها"، وظَهَر ذلك لهم! فهم إِذن أَعلَم بذات اللهِ وصفاته وأفعاله مِن موسى ومحمدًا! وكفى بذلك عليهم مَعَرّةً.
وأيضًا، لو كان القدرُ ممّا يُعلَم بالنظر فضلًا عن الضرورة، لَما هَلَكَ فيه الأممُ السالِفة، ولَما تَرَكَ النبي ﵇ بيانه عند الحاجة. ألا ترى أنّه لما سُئِل عن رؤيتِه ربه تعالى، قال مرةً: "رأيتُه"، ومرةً "نو أني راه"؟ وكذا سائر ما كان يُسأل عنه، كان ييَقطَع فيه بنَفي أو إِثباتٍ. فلما تَرَك الأمرَ ها هنا على إِبهامِه، دِل على أنّ القدر سر لا يَطَّلِع على حقيقته البشرُ، حتى الأنبياء ﵈؛ أو أنّ النبيّ ﵇ عَلِمَ حقيقتَه، ولم يُؤذَن له فى إِطلاعهم عليها تحقيقًا للامتحان التكليفيّ. وقد نُقِلَ عنه ﷺ أنَه قال: "أفضَى إِليَّ ربّي ليلةَ أُسريَ [بي] بأسرارٍ لم يأَذن لي في إِفشائها". فلعلّ هذا السرّ منها. لكنّ القدريّة يَقدَحون في الحديث المذكور وأمثاله، بأنها آحادٌ لا تُفيد العلمَ. وهذه المسألة ونحوها عِلمِيّةٌ لا تَثبُت بمِثل ذلك.
وبمثل هذا أَجابوا عن أحاديث الشفاعة؛ وهو مَعَرةٌ عليهم أيضًا. فإِنّ النصوص في المسألتين- أعني مسألةَ القدر والشفاعة- إِن لم تَبلُغ التواترَ الحقيقيّ، فهي لا شكّ قد بَلَغت التوارتَ المعنَوي في ديِن الإِسلام، كسخاء حاتمٍ وشجاعة عليِّ، أو استَضافت استِفاضةً عاليةً يقبلها لأجلِها جميعُ الأمة، مع أنّ نصوص الكتاب وارِدةٌ بذلك.
قوله، "وإِنما أَحدثنا الكلامَ فيه حيث أَحدث الناسُ النكِرَةَ له". قلنا: إِحداث الكلامِ لتحقيق الحقِّ وكَشفِ الشُبَهِ واللبس واجبٌ على الكفاية، لكن إِذا كان له مُستندٌ من
1 / 212