فأثبتنا حيا عالما قادرا مريدا راضيا ساخطا لم يزل ، إذ لو حدثت الحياة لكان قبلها ميتا ، ولو حدث العلم لكان قبله جاهلا ، ولو حدثت القدرة لكان قبلها عاجزا ، ولو حدثت الإرادة لكان قبلها مستكرها ، ولو حدث الرضى والسخط لكان قبلهما جمادا بليدا ، فمن أين ارتبط الكلام بالحي ، لا ارتباط له به .
فإن قالوا : لاستحالة حدوث الكلام لكان أخرس قبل حدوثه ، والخرس ضد الكلام ونقيضه .
قلنا وبالله التوفيق :
إن هذا الحكم وهذا التحكم لا يلزم ، لأنه يجوز أن يكون من لم يتكلم ساكتا لا أخرس ، ليس كالعلم ، لأن من لم يكن عالما فهو جاهل ومن لم يكن قادرا عاجزا ، ليس الخرس بنقيض الكلام بل السكوت نقيضه .
ويلزمهم أيضا أن الخلق معه لم يزل ، لأنه لو أحدث الله الخلق لكان قبل حدوثه عاجزا ، ويلزمهم أيضا أن يجعلوا الخلق من المعاني القديمة القائمة بالذات كالكلام ، ولعمري لهو أشبه بمذهبهم .
وإن لم يكن العجز بنقيض الخلق ، فليس الخرس بنقيض الكلام ، غير أن الخرس زمانه لا يستقيم معه الكلام ، وكذلك العجز آفة لا يستقيم معه الخلق وهما منفيان عنه بالقدرة ، وقد يكون الحي ساكتا لا متكلما ولا أخرس ، وهل يصح في الحي أن يكون غير عالم وأن يكون غير قادر أو مريد أو راض أو ساخط ؟ فهاتيك مهما انخرمت منها صفة الحياة وليس ذلك في الكلام البتة . والله ولي التوفيق .
والدليل على خلق القرآن ، لأهل الحق عليهم أدلة كثيرة .
صفحه ۶۴