وأما الثالثة : أن العلم هو القدرة والقدرة هي العلم ، وهذا ممنزع من جهة التخاطب واللغة ، ولو أطلقه إنسان لما جاوز خطؤه اللغة ، وهو أحسن حالا ممن أخطأ في ذات الباري سبحانه .
وأما الرابعة : فالقول فيها كالقول في الثالثة ، هو ممنوع من جهة اللغة والتخاطب بين الناس .
وأما الخامسة : فإنا نمتنع من أن نجعل صفات الباري سبحانه معاني ، لما يتوهم علينا من الغيرية ، وقد أطلقت اللغة الصفات العلى والأسماء الحسنى .
فإن قالوا : يعلم نفسه أو لا يعلمها ؟
قلنا : يعلمها ولا نقول لا يعلمها .
فإن قالوا : يقدر على نفسه أو لا يقدر عليها ؟
قلنا : لا يجوز يقدر على نفسه ولا لا يقدر عليها .
فإن قالوا : يريد نفسه أو لايريدها ؟
قلنا : الجواب فيها كالجواب في التي قبلها ( 1 ) .
واعلم أن القوم إنما ذهب بهم خصلتان : إحداهما اللغة ، وذلك أنهم نظروا إلى تقاسيم الأسماء والأفعال والحروف في اللغة ، فكل لفظة تقتضي معنى في الأجسام وحركاتها ، فانقسمت أقساما كثيرة من أجل الأجسام والأزمان والمكان ، فتحولت عينهم ، فذهبوا ذلك المذهب في خالق الأنام ، ونظروا إلى قولهم علم ويعلم وسيعلم علما وعالم وعلام وعليم . وقالوا : لابد لهذه التقسيمات أن تقتضي معاني متفاوتة حتما ، واضطرهم الدليل المثبت للألوهية إلى أن يقولوا بقدمها ، ونسوا ما ذكروا به من قبل أن الله ليس كمثله شيء ، فشبهوا الذات التي لا تتجزأ ولا تحلها الأعراض بالأجسام التي تتجزأ وتحلها الأعراض ولم ينظروا بعين الحقيقة إلى من هو فوق المكان والزمان ولم يشبه شيئا من الأعيان ، ولم يراعوا سهام الزمان
والمكان التي تجري على الأعيان دون القديم الذي كان قبله .
وسهم العين : الموجود والشيئية والذات والمعنى والإثبات .
وسهم الأمكنة : فالجهات الست : أمام وخلف وفوق وتحت ويمين وشمال .
وسهم الأزمنة : كالآن واليوم وأمس وغدا والشهر والعام وقابل وقاب وقباقب ( 2 ) .
صفحه ۶۲