وإذ (1) كانوا سواء كذلك ، مثلهم الله من البهائم بأمثالهم ، وجعلهم أضل من البهائم في ضلالهم ، فقال سبحانه لرسوله ، صلى الله عليه وعلى آله : ( أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا (44) ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا (45)) [الفرقان : 44 45]. ثم جعل سبحانه الاستدلال (2) عليه بذلك بينا منيرا ، فقال تعالى ذكره في قبضه للظل : ( ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا ) (46) [الفرقان : 46]. يعني سبحانه تيسيرا هينا ، (3) ظاهرا لا يخفى بينا. وقبض الظل فهو فناؤه ، وذهابه وانطواؤه ، ولا ينقبض ويفنى ، ويذهب ويطوى ، شيء مما كان أبدا ، جميعا كان أو فردا ، إلا كان قابضه ومفنيه ، ومذهبه وطاويه ، موجودا يقينا بلا شك ولا مرية فيه ، وشاهدا بصنعه لصانعه ، ودليلا عليه مكفيا من (4) علم غيب صانعه ، وإن لم ير بدرك اليقين ، (5) من درك مشاهدة كل حاسة من عين أو غير عين ، وزيادة الظل ومده ، فلا يكون (6) إلا بمن يزيده ويمده ، وإذا كان زائده وماده ومدبره ، لا تدركه العيون ولا تبصره ، وإنما تقع العيون على صنعه وفطرته ، كان أدل على جلاله وقدرته.
ثم أتبع ما صنع من مده سبحانه للظل وقبضه وتدبيره ، بما ذكر وفطر وخلق وجعل من غيره ، فقال تعالى : ( وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا (47) وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا (48) لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا (49) ... * وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا (53) وهو الذي خلق
صفحه ۲۷۸