وجعل الناس يصدرون، فعندها قال النبي: أين عمي العباس؟ فأجابه: لبيك يا رسول الله.
قال النبي: يا عم، مالي أرى الناس يصدرون ولا يردون؟!
قال: يا ابن أخي، ما (1) في المدينة مؤمن إلا وقد أكل من طعامك، حتى أن جماعة من المشركين دخلوا في عداد المؤمنين، فأحببنا أن لا نمنعهم ليروا ما أعطاك الله (تعالى) من المنزلة العظيمة والدرجة الرفيعة.
قال النبي: يا عم، أتعرف عدد القوم؟
قال: لا علم لي (2)، ولكن إن أردت أن تعرف عدد القوم فعليك بعمك حمزة.
فنادى النبي: أين عمي حمزة؟ فأقبل يسعى، وهو يجر سيفه على الصفا (3) - وكان لا يفارقه سيفه شفقة على دين الله - فلما دخل على النبي رآه ضاحكا، فقال له النبي: مالي أرى الناس يصدرون ولا يردون؟
قال: لكرامتك على ربك، أطعم الناس من طعامك حتى ما تخلف عنه موحد ولا ملحد.
قال: كم طعم منهم؟ هل تعرف عددهم؟
قال: والله، ما شذ علي رجل واحد، أكل من طعامك في أيامك تلك بعدة ثلاثة آلاف وعشرة أناس من المسلمين، وثلاثمائة رجل من المنافقين. فضحك النبي (صلى الله عليه وآله) حتى بدت نواجذه.
ثم دعا بصحاف، وجعل يغرف فيها ويبعث به مع عبد الله بن الزبير و عبد الله ابن عقبة (4) إلى بيوت الأرامل والضعفاء والمساكين من المسلمين والمسلمات، والمعاهدين والمعاهدات، حتى لم يبق يومئذ بالمدينة دار ولا منزل إلا أدخل إليه من طعام النبي (صلى الله عليه وآله).
صفحه ۹۶