دعوت به فلسفه
دعوة للفلسفة: كتاب مفقود لأرسطو
ژانرها
161 (ويبدو أن هذا هو السبب في قولنا أن النائم أيضا يدرك)؛ فقد تبين من هذا أننا نتكلم عن الحياة كذلك بمعنيين؛ فنحن نقول عن المستيقظ إنه يحيا بالمعنى الحقيقي والكامل للحياة، ونقول عن النائم إنه حي لأنه يملك القوة على الانتقال إلى النشاط الفعلي
162
الذي يعد علامة على اليقظة وعلى الإدراك الفعلي للأشياء؛ على هذا الأساس وبالنظر إلى هذه التفرقة (بين القوة والفعل) يحق لنا أن نقول إن النائم حي. (ب81) وما دمنا إذن نستخدم نفس الكلمة بمعنيين، هما الفعل من ناحية والانفعال من ناحية أخرى،
163
فسوف نقول: إن الأول يعبر عن المعنى الحقيقي للكلمة أوفى تعبير،
164 «فيعرف» على سبيل المثال تعني أن امرءا يستخدم معرفته أو يمتلكها، «ويرى» تعني أنه يبصر شيئا أو أنه يملك القدرة على الإبصار، وفي الحالين يعبر المعنى الأول عن قيمة أعلى؛ (ب82) فعندما نكون بصدد أشياء تنطبق عليها نفس الكلمة المنطوقة، لا نتكلم عن «الأعلى» بمعنى «الأكثر» فقط، وإنما نتكلم عنه كذلك بمعنى الأولى والأسبق (من الناحية المنطقية).
165
وهكذا نقول على سبيل المثال إن الصحة خير أعلى درجة مما يسبب الصحة، وأن «الشيء» الذي يكون بحكم طبيعته وفي ذاته جديرا بالاختيار هو خير يفوق ذلك «الشيء» الذي ينتج خيرا، بيد أننا نلاحظ أن نفس الكلمة «الخير» تقال على الاثنين معا، وإن كانت لا تقال بنفس المعنى؛ لأننا نطلق صفة الخير على الأشياء النافعة كما نطلقها على الفضيلة؛ (ب83) ولهذا يجوز لنا أن نقول إن المستيقظ يحيا حياة أعلى درجة من «حياة» النائم، وأن الفاعل بنفسه
166 «يحيا كذلك حياة » أعلى درجة ممن يمتلك النفس فحسب. ولو وضعنا الأولوية المنطقية نصب أعيننا لأمكننا أن نقول إن الأخير يحيا لأن الأول حي؛ ذلك أنه في حال تسمح له بأن يعيش حياة الفعل أو الانفعال.
167 (ب84) إن الفاعلية تعني في كل الأحوال ما يلي: إذا توفرت لأحد الناس القدرة على القيام بفعل ومارسه في الواقع، «فإننا نقول عنه إنه فاعل»، وإذا كان يمتلك عددا من القدرات، قلنا إنه فاعل لو قام بممارسة أفضل هذه القدرات وأكبرها قيمة، كأن يقوم عازف الناي مثلا بالعزف على ناي مزدوج، فإذا كان يعزف الناي فهو إما أن يكون فاعلا على وجه الجملة أو فاعلا على درجة عالية (أي يعزف عزفا جميلا)، وكذلك يكون الأمر في حالات أخرى (عندما نستخدم كلمة فاعل). يلزم إذن أن نقول إن من يفعل «الفعل» على وجهه الصحيح إنما يبلغ في فعله أعلى درجة؛ ذلك أن الذي يقوم بممارسة فعل من الأفعال بصورة جميلة ودقيقة إنما يضع هدفا (وهو الخير) نصب عينيه ويؤدي عمله بطريقة طبيعية (أي يفعل ما أملته عليه الطبيعة). (ب85) إن فاعلية النفس، كما سبق أن قلت، تقوم - بصورة تامة أو على نحو التفضيل - على التفكير والتأمل العقلي ؛ ولهذا يسهل علينا أن نرى، كما يسهل على كل إنسان أن يستنتج أن الذي يفكر تفكيرا صحيحا يحيا أقيم حياة، وأن الذي يبذل أقصى جهده من أجل الحقيقة هو الذي يتفرد من دون الناس بأفضل حياة ممكنة.
صفحه نامشخص