فركب الهادي فرسه، وأمر ابنه أبا القاسم فركب، وأمر أصحابه بالركوب فركبوا، وخرج الهادي من داره، فلما عاينه القوم - وكانوا هزموا أصحابه حتى أدخلوهم الدار - رجعوا إلى مواضعهم، وحمل عليهم وحده، ومضى الهادي عليه السلام وطعن أول من لقي من القوم فقتله، ثم طعن آخر، ثم طعن آخر،حتى طرح منهم ثلاثة من خيارهم، ثم لحق الخيل فطعن فارسا فطرحه، وكان طعنه لهؤلاء القوم في حملته التي حمل عليهم، وصدق قوله فنظمهم في رمحه كما وعدهم، فانهزم القوم حتى خرجوا من صنعاء ، وخرج الهادي في آثارهم يطردهم وقتل الهادي عليه السلام عسكرا منهم في الجبانة، ثم لحقه أبو العتاهية فسأله الرجوع إلى منزله، فرجع إلى منزله ونزع سلاحه وأمر أصحابه بلزوم بابه، فأرسلوا إلى أبي العتاهية يسألونه الأمان فكلم لهم الهادي.
فقال له: افعل ماشئت.
فأرسل أبو العتاهية أن سيروا إلى منازلكم، فدخلوا صنعاء، فلما كان من الغد أمر الهادي مناديا ينادي بالعطاء للعسكر، وهدأ البلد واطمأنوا ووضعت الفتنة، وسلم أبوالعتاهية جميع ماكان بيده من مال وإبل وخيل وسلاح وأثاث، وصير أبا العتاهية على بعض أمره.
فقال له: لا أريد يا أمير المؤمنين ذلك، وأريد أن أكون خادما بين يديك، ولبس الصوف وأظهر الزهد.
وسمعت أبا القاسم محمد بن يحيى يقول: دخل علينا أبو العتاهية في بعض الأيام فنظرت إلى وجهه متغيرا، فقلت: لم تعمل بنفسك هذا وأنت تحتاج إلى نفسك؟ كل من الطعام.
فقال: لا والله يا ابن رسول الله حتى يذهب هذا اللحم الذي قد حملته من الحرام ثم آكل.
صفحه ۵۰