عثمان بن عفان: بین خلافت و ملک
عثمان بن عفان: بين الخلافة والملك
ژانرها
صلى الله عليه وسلم
أنه لم يصح عندهم عشر معشار ما روي لهم منه. ورواية عبارات بألفاظها عن علي بن أبي طالب أو عبد الرحمن بن عوف أو غيرهما أدعى إلى التمحيص. فإنما دونها المؤرخون بعد أن مرت عشرات السنين على الحوادث التي رووها، وبعد أن لعبت الدعايات السياسية دورا خطيرا في حياة الدولة الإسلامية. لا عجب وذلك هو الشأن أن يدونوا ألفاظا تعبر عن مشاعر أصحابها، وإن لم تكن هذه الألفاظ قد صدرت عنهم بذاتها.
لكن ثمة أمرين لا ريبة عندي في صحتهما: أولهما أن عليا وبني هاشم لم تسترح نفوسهم لبيعة عثمان بحجة أنهم أهل بيت النبي، فإذا ألقت الخلافة مقاليدها إليهم لم تخرج منهم أبدا.
الأمر الثاني أن الكثرة الكبرى من المسلمين استراحت لبيعة عثمان، وأقبلت عليها راضية مطمئنة. فليس منهم من ذكر حين البيعة أن عثمان من بني أمية، أو ذكر عداوة بني أمية لرسول الله ومنافستهم القديمة لبني هاشم وتخلفهم عن الدخول في الإسلام حتى فتحت مكة أبوابها عجزا عن مقاومة المسلمين، بل ذكروا جميعا سبق الخليفة الشيخ إلى الإسلام، ووقوفه في جانب رسول الله، وإحسانه معاملة زوجتيه رقية وأم كلثوم، وهجرته إلى الحبشة وإلى المدينة، وبذله عن سعة لنصرة دين الله والمؤمنين به. روي أن طلحة بن عبيد الله قدم المدينة غداة بيعة عثمان. فلما دعى للبيعة له قال: أكل قريش راض به؟ قيل: نعم. وذهب إلى عثمان فسأله: أكل الناس بايعوك؟ وأجابه عثمان: نعم. قال طلحة: قد رضيت، لا أرغب عما قد اجتمعوا عليه، وبايعه. ولقد تمت بيعة عثمان في جو من التفاؤل وحسن الرجاء في المستقبل. فلما فرغ الناس منها بدأ من جاءوا بعد الحج إلى المدينة ينصرفون عنها إلى مواطنهم بالعراق وفارس وبالشام ومصر، وكل يرجو أن يزيده الله سعة من فضله.
وكذلك عادت الأمور سيرتها الأولى، وجرى الناس في مألوف حياتهم، وآن لعثمان أن يضطلع بأعباء الخلافة يصرف أمورها على نحو يتفق مع ما جبل عليه من دماثة في الطبع ورقة في الخلق وصدق في الإيمان وتجرد للخير، وأن يواجه موقفا يختلف عن موقف عمر، وعن موقف أبي بكر يوم اضطلع كل منهما بعبء الخلافة، ويحتاج في مواجهته إلى لون جديد من السياسة وفق عثمان إليه توفيقا ظاهرا أول الأمر، ثم أعجزه تقدم السن وأعجزته الأحداث فلم يحسن تدبيره من بعد.
الفصل الثاني
عثمان بين أمسه وغده
كان عثمان قد ناهز السبعين حين بويع. وكان رجلا ليس بالطويل ولا بالقصير حسن الوجه، رقيق البشرة، أسمر اللون، به شيء من أثر الجدري، كبير اللحية عظيمها، عظيم الكراديس، عظيم ما بين المنكبين، أصابه الصلع بعد أن كان كثير شعر الرأس. وكان يشد أسنانه بالذهب، ويتختم في يده اليسرى، ويرتدي اللباس الحسن والثوب الثمين؛ ذلك أنه كان واسع الثروة يعيش في خفض ولين.
وكان شديد الحياء. روي عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
صفحه نامشخص